«اختفى» اللحم عن مائدة اللبنانيين والمقيمين في لبنان. من بقي يتذوقه يفعل بكميات قليلة لـ«تنكيه» الطبخة، فيما أغلقت نحو 60 في المئة من الملاحم أبوابها، أما من ظل منها صامداً فتتشارك كل مجموعة منها بيع ذبيحة واحدة، وعلى مدى أيام. اللحوم الموجودة في السوق اليوم مصدرها مخزون تجار المواشي الذي لن يكفي أكثر من شهر ونصف شهر. بعدها، قد يصل كيلو لحم البقر إلى 100 ألف ليرة!«القصبة» و«الكبّة النيّة» و«الفراكة» باتت «من التاريخ». بين ليلة وضحاها، تحوّل معظم اللبنانيين والمقيمين إلى «نباتيين»، بعدما أسقطوا اللحمة من موائدهم، لا بفعل قرارٍ شخصي، وإنما بسبب الغلاء الفاحش الذي طال أسعارها وأدى إلى «اختفائها». مع كل «طلعة» للدولار، في كل «طلعة شمس»، ترتفع أسعار اللحوم، حتى زادت ثلاثة إلى أربعة أضعاف عما كانت عليه «أيام العزّ»، عندما كان الدولار يساوي 1500 ليرة. صحيح أن جنون الأسعار طال معظم القطاعات، إلّا أن قطاع اللحوم كان الأكثر تأثراً لاعتماده أساساً على الاستيراد. هكذا طارت أسعار اللحوم، بدءاً من لحم البقر الذي ارتفع سعره من 15 ألف ليرة قبل الأزمة، إلى 55 ألف ليرة، فيما تخطّى سعر كيلو لحم الغنم الـ 75 ألفاً. وهي أسعار مرشّحة للارتفاع كلّما «شطح» سعر صرف الدولار الذي تخطّى أمس الـ 10000 ليرة في السوق السوداء. وهكذا، بات استهلاك اللحوم ترفاً، وعاد كثيرون إلى شرائها بـ«الأوقية» لـ«تنكيه الطبخة» فقط.
بين 50 و60 في المئة من الملاحم أغلقت أبوابها بعدما لم يعُد في مقدور أصحابها الشراء بالدولار من التجار والمسالخ. فيما بدأت ملاحم عدة تشترك في ذبح عجل واحد يستغرق بيعه أياماً عدّة! نقابة القصابين وتجار المواشي أعلنت التوقف عن شراء المواشي، إذ «أننا نستورد بالدولار الأميركي 100%»، يقول النقيب معروف بكداش. وبما أن «الدولار مفقود لدى المصارف وشبه مفقود لدى الصرافين، والدولة غائبة كان القرار بوقف الشراء». وهو قرار أملته لامبالاة الدولة تجاه مطالب القطاع، ناهيك عن أن السلة المدعومة التي أقرتها وزارة الاقتصاد، أخيراً، لم ترضِ هؤلاء. إذ يؤكّد نائب رئيس نقابة تجار اللحوم في لبنان، عبد الغني ملاح، «أن توزيع الدولار المدعوم يقوم على أساس المحسوبيات، وهذا ما يحدث عندما سلّموا رقاب اللبنانيين للصرافين»، مشيراً إلى أن «تجار المواشي واللحوم توقفوا عن الشحن من الخارج.
تجار المواشي توقفوا عن الاستيراد والمخزون بالكاد يكفي شهراً ونصف شهر
اليوم يصرفون من المخزون الذي بالكاد يكفي شهراً ونصف شهر». وبعد ذلك؟ يجيب: «ستحلّ الكارثة على القطاع عندما نضطر للشراء وفق سعر الصرف في السوق السوداء بعد نفاد المخزون (…) إذا أردنا شراء دولار فريش اليوم من السوق السوداء وفق سعر السوق، فسنكون مجبرين على بيع كيلو اللحم بـ100 ألف ليرة»! استناداً إلى أن كيلو اللحم كان يساوي بـ15 ألف ليرة (10 دولارات) يوم كان الدولار يساوي 1500 ليرة وارتفع إلى 30 ألف ليرة يوم وصل سعر الدولار إلى 3 آلاف ليرة.
ويستورد لبنان 250 ألف طن من المواشي سنوياً، وبين 20 و25 ألف طن من اللحوم المبردة والمجمدة. أما بالنسبة إلى الغنم، فأكثره من البلدي الذي يستورد من طريق سوريا (بين 3000 و4000 طن). من هنا، لا حلّ للأزمة إلّا «بأن يكون شراء الدولار المدعوم عبر المصارف حصراً ومباشرة لا عبر الصرافين، وهذا الإجراء كفيل بإعادة سعر كيلو لحم البقر إلى 30 ألف ليرة مثلاً».
ماذا عن الدجاج؟
أزمة اللحوم تشمل أيضاً تلك البيضاء. إذ شهدت أسعار الدجاج أيضاً ارتفاعاً جنونياً، فسجّل سعر كيلو الفروج 17 ألف ليرة بعدما كان أقلّ من سبعة آلاف ليرة. ورغم أن لبنان شبه مكتفٍ من الدجاج المحلي، إلا أن المشكلة تكمن في استيراد علف الدجاج الذي أُدخل أخيراً ضمن السلع المدعومة. علماً أن كلفة العلف تشكّل بين 65 و70% من كلفة الفروج. إلّا أن «مفاعيل الدعم لن تظهر الآن، خصوصاً أنه مرت أيام قليلة فقط على الدعم»، بحسب أستاذ علم الإنتاج الحيواني في الجامعة الأميركية محمد فران. من هنا، فإن نتيجة هذا الدعم «تظهر بعد 40 يوماً، وهي مدّة نمو الدجاج»، ناهيك عن أن كمية العلف المدعوم «كانت قليلة ولا تكفي حاجة البلد ولم تطل جميع المزارعين والمربين. وفي انتظار أن يفعل الدعم فعله، أقفل بعض المزارع نهائياً وخفّف بعضها من إنتاجه إلى حدّ كبير.
رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو أوضح لـ«الأخبار» أن «الدعم لا يحلّ أيّ مشكلة بل يفاقمها. وما من دولة في العالم تفعل ما تفعله الحكومة اللبنانية»، متسائلاً: «لماذا ندعم الحبوب والسكر والرز لكل الناس عبر إعطاء الدولار مباشرة إلى التجار الكبار المستوردين الذين هم جزء كبير من المشكلة ويستفيدون أكثر من هذه الدولارات؟». أمّا الحلّ ففي «إعطاء بونات أو أموال للفقراء مباشرة. وهذا الإجراء يكلّف دولة مفلسة كدولتنا أقل بكثير مما تدفعه من خلال ما تسميه الدعم».
عليكم بالعدس
الظروف المعيشية الصعبة باتت تفرض على اللبنانيين والمقيمين اعتماد نظم غذائية جديدة تتضمّن قدراً أكبر من الخضار والحبوب وقليلاً من اللحوم، وهو ما يمكن أن تكون له انعكاسات خطيرة على المدى الطويل. إذ تلفت الاختصاصية في التغذية وإدارة الصحة رنا أبو مراد إلى أن اللحوم هي مصدر أساس للبروتين واليود والزنك وفيتامين «ب 9» و«ب 12»، وعدم تناولها لأشهر يمكن أن يؤدي إلى عوارض إرهاق وإسهال وفقدان حاسة الذوق والشم وأضرار في الجهاز العصبي، إضافة إلى انخفاض في ضغط الدم وفقر في الدم ما يؤثر في مناعة الجسم، وخسارة البروتين وكتلة العضل من الجسم واحتباس الماء. أما بدائل اللحم التي يُنصح بها فعديدة، ومنها «العدس والقمح الكامل والبيض والخضار ذات الأوراق الخضراء الداكنة مثل الروكا والبقلة وضلوع السلق والهندبة والسبانخ، مع ضرورة إضافة الحامض إليها ليتمكّن الجسم من امتصاص الحديد منها.
الأخبار