
في زمنٍ يتأرجح فيه لبنان بين أزمات وجودية وتحديات إقليمية ضخمة، ويشتدّ فيه الخناق على سيادة الدولة واستقلال قرارها، يأتي استقبال رئيس الحكومة نواف سلام لهنيبعل القذافي، نجل الرئيس الليبي المخلوع معمر القذافي، بعد إخلاء سبيله، ليُلقي بظلالٍ من القلق والغضب على المشهد الداخلي.
إن هذا الاستقبال، وفي هذا التوقيت بالذات، يُعتبرأكبر من طعنة مؤلمة لـ ذاكرة وطن وشريحة واسعة من مواطنيه، فكيف لرئيس حكومة يمثل لبنان أن يحتفي بشخص لا يزال اسمه مُرتبطاً، وبشكل وثيق، بقضية تغييب سماحة الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والأستاذ عباس بدر الدين، وهي قضية وطنية وإنسانية بامتياز وثابتة بالتهم الموجهة إلى نظام والده؟
إن توقيف هنيبعل القذافي في لبنان لم يكن كما يدّعي رئيس الحكومة تجاوزاً على الحريّة الفرديّة بل كان مرتبطاً بجرم كتم المعلومات حول هذه القضية ،ومقايضة هنيبعل القذافي للمحققين بإعطائهم المعلومات التي يملكها بعد إطلاق صراحة ثابته في محاضر التحقيق لدى فرع المعلومات .
إن البيان الذي نشره “نواف بيك”على صفحته وأدان فيه القضاء إنما يكون الرد عليه من القضاء نفسه ،أمّا المس بمشاعر مئات الآلاف من محبي الإمام موسى الصدر ورفيقيه فكلام آخر.
ألا يعرف نواف من هو الإمام موسى الصدر، ألا يعرف أنّ غياب هذا الإمام ما زال يُلقي بظلاله على قلوب محبيه بعد كل هذه السنين؟ وانّ الإمام ليس مجرد زعيمٍ أو رجل دين، بل هو الحُبُّ الذي لم يذبُل. ألم تتطالعه يوماً تلك النظرة الهادئة التي كانت تحمل هَمَّ المحرومين، والإبتسامة التي كانت بلسمًا لجراح المستضعفين؟
ألا يعرف أنّه صوتُنا الذي لم يخفت، وأنّ نيّة صلواتنا تبدأ بـ “متى العودة؟” وتكبيرتها آهٍ تضج بها السماء وأنّ جدران الوطن تتساءل عن ذاك النور الذي غاب فجأة في ليل ليبيا الغادر، وأنّ كلّ يتيم، كلّ فقير، وكلّ شبر أرض في هذا الوطن هو شاهدٌ على أنَّ الصدرَ حيٌّ فينا…
لا أظنّ أن أحداً لم يسمع روايات الحب والعشق التي نحكيها لأطفالنا كل مساء …ومع هذا فعل فعلته عن سابق ترصد وإصرار..
أن فعلة رئيس حكومتنا تجاوزاً للبعد الإنساني والوطني للقضية، وتخفيفاً من وطأتها وكأنها مجرد ملف قضائي عادي وليس جرحاً غائراً في الضمير اللبناني.
للحظة كنّا نحاول أقناع أنفسنا أنّ تشدد رئيس الحكومة فيما يتعلق بملف سلاح المقاومة هو توزيع أدوار قبل فيه نواف لعب دور الشيطان لتخفيف وطأة الضغوط التي نتعرض لها،لكن ما أقدم عليه فضح كل سرائره وأن وطنيته المزعومة ليست سوى فصلاً من فصول الأجندة الأميركية ومن ورائها أجندات أخرى على حساب الوجع الوطني والحساسيات الداخلية شديدة التعقيد.
إن هذا الاستقبال المشؤوم لا يُشكل “ضرورة” بقدر ما هو استفزاز سياسي ووطني يؤجج الخلافات الداخلية ويعمق الشكوك في وقت يحتاج فيه لبنان إلى الوحدة ورأب الصدع لمواجهة مصيره.
ختاماً نقول لنواف وشاكلته، لولا أنّ هذا الوطن وطن موسى الصدر الذي ضحّى بنفسه لأجله ،ولولا حكمة الرئيس نبيه بري الذي نثق دائماً بطريقة معالجته للأمور لرأيت الآلاف تصطف على باب السراي تطالب بإسقاطك على هذه السقطة الشنيعة مهما كانت الأثمان..لكنه وطن موسى الصدر .
