هيام عيد – الديار
عاد الحراك إلى الشارع ومن ساحة الشهداء، في مشهدية ليست بعيدة عمّا كان يجري في السابق، ولكن الأمور لم تتبدّل على اعتبار أن الذين ظهروا أمس من خلال حركة الإحتجاجات والاعتصامات هم أنفسهم، فيما غابت “الثورة” التي انطلقت في 17 تشرين، ولم يعد لها أي دور أو تأثير على وقع إحباط الناس من حصول أي تغيير في البنية السياسية والاقتصادية في البلد. وبالتالي، فإن الوعود التي أغدقها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لم تُجدِ نفعاً، أو تعط النتائج المتوخاة.
ويؤكد أحد النواب المخضرمين، أن البلد ومالية الدولة في هذه المرحلة بالتحديد، في وضعية قد لا تكون قادرة على إعطاء الموظفين رواتبهم، وبمعنى آخر، أنه لن يكون هناك في المدى المنظور أي تصحيح للرواتب على خلفية انهيار العملة الوطنية وارتفاع سعر صرف الدولار، لأن المسألة مرتبطة بالواقع السياسي المأزوم، وأيضاً له صلة بسرعة التطورات الدراماتيكية إقليمياً ودولياً، حيث التسوية الشاملة وحدها مَن يُعيد إحياء الدولة ومؤسّساتها ومرافقها، إنما بعقلية وتركيبة مغايرة كلياً لما كانت عليه سابقاً، الأمر الذي أدى إلى واقع الحال المزري اليوم، وعلى كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية، وفي سائر قطاعات الدولة ومرافقها.
وفي السياق عينه، تكشف مصادر مراقبة، أن لبنان أمام شهرين مفصليين ويتّسمان بالخطورة والقلق من حصول أي اضطرابات أمنية أو تفلّت في الشارع، وذلك مرتبط بما ستؤول إليه اللقاءات الجارية في باريس وسواها ليُبنى على الشيء مقتضاه داخلياً من خلال انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولا سيما أن ما نُقل في الساعات الماضية عن أجواء اللقاء الثنائي الفرنسي ـ السعودي، لا يؤشِّر إلى حلول قريبة، أو ثمة توافق على مرشح قد تتبناه الدول الخمس ليكون مرشّح تسوية، بل ثمة تباينات ما زالت قائمة بين باريس والرياض، بانتظار ما سيسفر عنه “اللقاء الخماسي” الثاني، حيث الاتصالات جارية وفق المعنيين لتحديد موعده ومكانه في فترة ليست بعيدة، في ضوء تسجيل قلق لدى هذه الدول من انفراط الوضع اللبناني جراء تفاقم الأزمات وغياب الحلول وإغداق الوعود دون تنفيذها، ما يهدِّد قطاعات أساسية وحيوية بالإقفال التام كالقطاعين الصحي والتربوي.
وعلى خط آخر، علم أن المبادرات التي أطلقت في فترات متفاوتة لم يعد لها من جدوى أو قيمة، كتلك التي انطلق بها رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط، من خلال جولات نواب “اللقاء الديموقراطي” على المرجعيات السياسية والروحية، والتعويل راهناً ينصب على ما سيتمخض عن “اللقاء الروحي” في حريصا، ولهذه الغاية ثمة ترقّب لما سيكون عليه النقاش والحوار بين القوى المسيحية المشاركة فيه، في ظل الهوّة التي تفصل بينهما، لذلك، كل هذه المبادرات في الداخل واللقاءات لم تؤدِ إلى أي حلول أو توافق على مرشح معين، فالرهان ينصبّ على الدول الخمس وما تقوم به من جهود لفرض تسوية، وعندها ليس في وسع أي طرف أن يناور أو يرفض ويغرّد خارج السرب، وهذا ما أكدته كل التسويات التي شهدها البلد في الاستحقاقات الماضية وكان آخرها في الدوحة.
ان الوقت الضائع إلى حين الوصول إلى تسوية، يبقي البلد عرضةً لأي تطورات أو مخاوف من تفلّت أوضاعه، على اعتبار أن لبنان لم يصل إلى أي استحقاق دستوري، وعلى وجه الخصوص رئاسياً، إلاّ بعد تطورات وأحداث أمنية على غرار ما جرى في تسوية الدوحة، إذ أتت “على الحامي” وأدّت حينئذ إلى انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. والسؤال هل التسوية المقبلة ستكون مماثلة لما حصل قبيل الوصول إلى تسوية الدوحة؟