زينب حمود – الأخبار
مرَّ عام على استهداف العدو الإسرائيلي مقرّ إقامة الإعلاميين في حاصبيا، خلال تغطيتهم عدوانه على لبنان. استشهد يومها ثلاثة، هم: المصور ومهندس البث في قناة «الميادين» غسان نجار ومحمد رضا، والمصور في قناة «المنار» وسام قاسم. سبقت الجريمة جريمتان مماثلتان. استشهد في الأولى المصور الصحافي في وكالة «رويترز» عصام عبد الله، وأصيب معه آخرون. وفي الثانية، استشهدت المراسلة والمصور في قناة «الميادين» فرح عمر وربيع معماري. للمرة الأولى، وبعد إهمال رسمي استمرّ طويلاً، تظهر الحكومة جدية في متابعة قضية استهداف إسرائيل لستة عاملين في القطاع الإعلامي بشكل مباشر، خلال ممارستهم عملهم.
إذ كلّفت، قبل شهر، وزير العدل عادل نصار بدراسة الخيارات القانونية المتاحة لمقاضاة العدو الإسرائيلي على اعتداءاته بحقّ الصحافيين. على ضوء ذلك، اجتمع نصار الإثنين الماضي بعائلات الضحايا لتأكيد «اهتمام الدولة بملف الصحافيين الذين استهدفتهم إسرائيل، الشهداء والجرحى»، على حدّ قوله لـ«الأخبار».
عملياً، وضعت الحكومة ملف استهداف الصحافيين على السّكة الصحيحة، ولكنها غير مستعجلة. فالملف، وفقاً لنصار، يحتاج إلى «بحث ودراسات قانونية معمقة»، ومن «المبكر جداً» الحديث عن الإجراءات القانونية الممكن اتخاذها.
أخطاء وخفّة رسمية
التقصير الرسمي، يمكن لمسه فور التعمق في ملفات هذه الجرائم؛ فلا قاعدة بيانات بالأدلة الجنائية، وإنما محاضر تُبيِّن «الخفّة في التعاطي»، على حدّ قول منسقة نقابة «الصحافة البديلة» إلسي مفرج. وتشير إلى «أخطاء وردت في المحاضر التي سجلت الجرائم ضدّ المدنيين وبينهم صحافيين، ووردت في مراسلة بين مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية سابقاً القاضي فادي عقيقي والمدعي العام التمييزي جمال الحجار». ومن هذه الأخطاء، «تسجيل محضر استهداف المصور الصحافي عصام عبد الله في 10 تشرين الأول 2024، أي قبل ثلاثة أيام من تاريخ استهدافه الفعلي. كذلك تسجيل استهداف سيارة لقناة الميادين في المحضر نفسه، وليس سيارة لقناة الجزيرة».
وتشدد مفرج على أن هذه البيانات الرسمية مهمة جداً وتعدُّ حجر أساس في أي خطوة خارجية، «لنثبت أن إسرائيل تعمّدت عن سابق إصرار وتصميم، وليس عن طريق الخطأ، استهداف الصحافيين، وهي جريمة حرب يجب أن تُعاقب عليها». وهذا ما أعلنه مقرر الأمم المتحدة الخاص بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء وتعسفاً، موريس تيدبول بنز، بوضوح، خلال مؤتمر صحافي في بيروت في 10 تشرين الأول الجاري، حين قال إن «القصف الإسرائيلي الذي قتل في 13 تشرين الأول 2023 مصوراً في وكالة «رويترز» وأصاب مصورين في وكالة «فرانس برس»، هو اعتداء متعمد وموجه ومزدوج من قبل القوات الإسرائيلية ويعدّ جريمة حرب».
يُضاف تصريح المقرر الأممي إلى عدة تقارير وتحقيقات موثقة بالأدلة أجرتها منظمات دولية ومؤسسات إعلامية أجنبية مثل: «رويترز»، «AFP»، «هيومن رايتس ووتش»، «غارديان» و«اليونسيف»، خلصت جميعها إلى ذات النتيجة. وقد أكد وزير الإعلام السابق زياد المكاري دقة التحقيق الذي أجرته وكالة «رويترز»، وأنه يمكن البناء عليه. فلماذا لا تستعين الدولة بهذه التحقيقات وتختصر الوقت والجهد؟ الأكيد أن الأدلة واضحة ويمكن جمعها بسهولة متى أراد المعنيون. لكن العقبة الأساسية تبقى في المرحلة اللاحقة: ماذا ستفعل الدولة بملفها عندما يجهز؟ وإلى أي جهة ستلجأ لمقاضاة إسرائيل؟
خيار قانوني جديد؟
عادةً، في مثل هذه الحالات، يمكن اللجوء إلى «المحكمة الجنائية الدولية». لكن هذا الخيار دونه عقبات دفعت الحكومة السابقة إلى التراجع عنه بعد شهر من تبنيه، من دون الإعلان عن الأسباب. غير أن مصادر متابعة أعادت ذلك إلى «ضغوطات أميركية ومخاوف داخلية من أن يفتح ملف الصحافيين مسار تحقيق أوسع، قد يتطلب التحقيق مع عناصر في حزب الله أو مناقشة أسباب اندلاع الحرب، ومن هو المعتدي أولاً». فهل طرأ أي جديد بالنسبة إلى خيار اللجوء إلى «المحكمة الجنائية» يسمح للحكومة بطرحه مرة أخرى؟ أم أن وزير العدل يفكر بإجراءات قانونية أخرى؟ مصادر وزارة العدل ترجّح الاحتمال الثاني، وتتحدث عن خيار قانوني قيد الدرس سيناقش جدياً في الأيام المقبلة.
يذكر أن نجاح الحكومة في تجهيز ملف مكتمل الأركان قادر على إدانة إسرائيل في استهداف الصحافيين، ثمّ حملِه إلى الجهة القانونية المختصة، يمكن أن يشجع نقابات أخرى على مقاضاة إسرائيل، وعلى رأسها النقابات الصحية، بعد تعمّد إسرائيل استهداف الطواقم الإسعافية.
حينما تجاوز العدو «كلّ الخطوط الحمراء»
من دون أدنى شعور بالحماسة، يتابع أهالي ضحايا مجزرة حاصبيا قبل عام (25 تشرين الثاني 2024)، المساعي الحكومية لمقاضاة إسرائيل على استهدافها الصحافيين. فهم لا يثقون بوجود عدالة على الأرض ولا بجدوى جهود الدولة والمجتمع الدولي. لكن، في رأيهم، «لا مجال للتنازل عن الحق».
عسى أن يصدق المثل: «الدق بالصخر يُفتِّتُه». وهو ما تؤمن به سناء أبي حيدر، زوجة المصور في قناة «الميادين»، الشهيد غسان نجار.
لم تفكر سناء باحتمال خسارة زوجها وهو يمارس عمله الصحافي في الجنوب. فغسان، «يعرف كيف يدير المخاطر ويحمي نفسه، نظراً إلى خبرته الطويلة في تغطية النزاعات». وتروي عن ردّ فعله أثناء تغطية حرب العراق، «عندما كانت سيارة مفخخة تسير نحو تجمع للصحافيين، وبينما تراجع جميعهم، اقترب غسان إلى مسافة 50 متراً من السيارة ليأخذ اللقطة». لكن، إسرائيل غدرته في حاصبيا، فاستهدفته ورفاقه وهم نائمون.
أما عبير طاهر، زوجة الشهيد محمد رضا، مهندس البث في قناة «الميادين»، فلم يخطر في بالها أن «يتجاوز العدو كل الخطوط الحمراء ويقتل الصحافيين مباشرة، من دون اعتبار للقوانين الدولية». بعد سنة على شهادته، تعي عبير أن زوجها لا يمكن أن ينفصل عن الجنوب، حيث نشأ في بلدة كفرصير، وكان يقضي نصف إجازته الأسبوعية خلال معركة «طوفان الأقصى» بعد 40 يوماً من العمل، متنقلاً بين القرى الجنوبية. وتشير إلى أنه تعرض لمحاولتَي استهداف أثناء تغطية الحرب، نجا منهما، فكانت الثالثة ثابتة. ليختم غسان حياته في الجنوب، ويعود جثمانه إليه بعد وقف إطلاق النار.
أما الشهيد المصور في قناة «المنار» وسام قاسم، «رجل المهمات الصعبة»، كما يصفه زميله المصور علي الرز، فكان حريصاً على نقل الصورة في الحرب كما في السِّلم، وإيصال صوت الناس الذين يواجهون الظلم والحرمان. لذا، «قال لنا منذ أن بدأت عملية أولي البأس إنه لن يغادر الجنوب حتى تنتهي الحرب أو يستشهد»، وهو ما حصل فعلاً. وكان وسام عاشقاً للجنوب لا يمضي عطلة نهاية الأسبوع إلّا في عيتا الشعب، محافظاً على البرنامج نفسه في طريق الذهاب والعودة: «الترويقة كنافة، والغداء شاورما».
































































