بقلم د.خضر ياسين
ظهرت على مساحة من الشاطئ اللبناني وخاصة تلك الممتدة من الناقورة حتى صور، بقع سوداء، مصدرها فلسطين المحتلة، متسببة بها إحدى سفن العدو الإسرائيلي، إذ أنه وفقآ لمعلومات وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية فإن مصدر التسرب النفطي هو مرفأ (أشدود) التابع للكيان الإسرائيلي، الذي يبعد (٢٠٠) كلم٢ عن الناقورة، وسط تكتم إسرائيلي على هذا الموضوع. وتبعآ لذلك أعلنت منظمة (غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) أن هذا التلوث من شأنه تهديد التنوع البيولوجي البحري الغني، ويؤثر على سكان منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وهو مظهر من مظاهر تدمير البيئة. وبالتالي يندرج هذا الفعل في سياق العدوان الإسرائيلي المتمادي على لبنان، حجرآ وبشرآ، وبيئة، وثروات. التسرب النفطي هو عبارة عن عملية إطلاق للسوائل البترولية في البيئة، ويمثل شكلآ من أشكال التلوث، وهذا المصطلح يشير عادة إلى إنسكابات النفط في البحار، ومن خصائص الجريمة البيئية إمتداد آثارها إلى نطاق واسع، فهي من الجرائم المستمرة، أي أن تأثيرها قد يستمر لفترات طويلة من الزمن، حتى تقوم الطبيعة بإزالة ما نجم من تلوث، أو يقوم الإنسان بإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل التلوث، وهي جريمة عابرة لحدود الدول، لا سيما تلوث البيئة الهوائية، والبيئة المائية. وفي هذا السياق تم توقيع العديد من الإتفاقيات المعنية بحماية البيئة من التلوث نذكر منها: إتفاقية لندن لمنع التلوث بزيت البترول في البحار عام (١٩٥٤)، الإتفاقية الخاصة بمنع التلوث الذي تسببه السفن لعام(١٩٧٣)، اتفاقية بروكسل للتعويض عن الضرر الناتج عن التلوث بالنفط لعام(١٩٧١)، كذلك أسفرت جهود الأمم المتحدة عن إبرام إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام(١٩٨٢)، والتي دخلت حيّز النفاذ في تشرين الثاني(١٩٩٤)، ووفقآ لهذه الإتفاقية تلتزم الدول باتخاذ التدابير لمنع تلوث البيئة البحرية، حيث تضع على الدول التزامات للحفاظ على البيئة البحرية، وأيضآ تنص على مساعدة الدول في مجال حماية هذه البيئة ومنع التلوث البحري عن طريق تزويدها بالمعدات والتسهيلات اللازمة. أما فيما يتعلق بالمسؤولية الدولية عن هذا الفعل، يعتبر أحد فقهاء القانون الدولي(Brownlie) أن أي عمل ينتج عنه خرق لموجب قانوني فهو يثير المسؤولية في القانون الدولي، سواء كان هذا الموجب منصوصآ عليه في معاهدة، أو بموجب عرف، أو أي أساس آخر، فمن المبادئ القانونية المستقرة في القانون الدولي: أن كل عمل غير مشروع يُنسب لشخص قانوني ويكون مخالفآ لإلتزام قانوني معين، يولّد إلتزامآ آخر هو التعويض عمّا ترتب عليه من نتائج. صحيح أن إسرائيل ليست طرفآ في إتفاقية قانون البحار لعام(١٩٨٢)، لكن هناك إلتزام عام عليها يستند إلى المبادئ العامة السائدة في القانون الدولي ومنها حماية البيئة. وكي يتم تحريك المسؤولية الدولية، يجب توافر الشروط التالية: أن يكون الفعل منسوبآ للدولة- أن يكون الفعل غير مشروع-أن يترتب على الفعل غير المشروع ضرر. وهذه الشروط الثلاثة متوافرة من أجل تحريك مسؤولية الكيان الإسرائيلي على المستوى الدولي امام المرجعيات الدولية، خاصة الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن. فهذا الإنتهاك لا يشكل المرة الأولى من حيث إلحاق الضرر بالدولة اللبنانية ومواطنيها من قبل العدو الإسرائيلي، وهناك سوابق عديدة تم فيها إقرار التعويضات للبنان، نذكر منها ما يلي: في العام (١٩٦٨) صدر عن مجلس الأمن القرار رقم (٢٦٢) الذي كرس حق لبنان بالتعويض بسبب الإعتداء الإسرائيلي على مطار بيروت وتدميره لطائرات شركة طيران الشرق الأوسط- القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (٢٢/٥٠) بتاريخ ١٩٩٦/٤/٢٥، الذي طالب الكيان الإسرائيلي بالتعويض نتيجة ارتكابه لمجزرة قانا- القرار رقم (٦٩/٢١٢) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ ٢٠١٤/١٢/١٩، الذي طالب إسرائيل بدفع (٨٦٥,٤) مليون دولار بسبب مسؤوليتها عن قصف محطة الجية الكهربائية خلال عدوان تموز ٢٠٠٦.