حبيب البستاني
مع اقتراب نهاية الولاية يعيش اللبنانيون كل اللبنانيين في حالة ترقّب انعكست اشتداداً للأزمة المعيشية وارتفاعاً ملحوظاً في سعر الدولار والمحروقات ومعظم المواد الغذائية، أضف إلى ذلك الأزمات المتنقلة من قطاع إلى آخر والتي انعكست زيادة الشلل في مختلف مفاصل الإدارة والقطاع العام. وبالرغم من كل ذلك لم يزل الرئيس المكلف يلعب «الغميضة» مع العهد ويلبس «طاسة الإخفا» مع الناس، وكالنعام يدفن رأسه في الرمال معتقداً أن الناس لا تراه، وهو نسي أو تناسى أنه وإن غاب عن أعين الناس فإن «لك رباً يراك».فكل المشاكل تنتظر تأليف حكومة كاملة المواصفات، للقيام بكل ما يلزم للمبادرة بالمعالجة ودرء الخطر الداهم والناجم عن احتمال دخول البلاد في فراغ سياسي يقضي على ما تبقّى من أمن اجتماعي، فاتحاً الباب واسعاً أمام اجتهادات وصراعات نحن جميعاً بغنىً عنها. فالرئيس المكلف عبثاً يحاول الاستنجاد بهذا أو ذاك، بغية تعزيز موقفه وتبرير وجهة نظره مع ممارسة المماطلة والدلع السياسي للإحجام عن التأليف. فلماذا يضع الرئيس المكلف نفسه في «بوز» المدفع متحمّلاً مسؤولية الانهيار وما تبقّى من دولة المؤسسات؟، وهل يدرك دولته أنه هو المسؤول الأول عن حدوث الفراغ وتحمّل تبعاته؟لقد خرج دولة الرئيس بري عن حياده في مهرجان الإمام المغيّب، وتنحى عن دوره بأن يشكّل صمام أمان، ورئيساً جامعاً للمجلس النيابي مكتفياً بلعب دور رئيس حركة أمل، فآثر الاصطفاف إلى جانب الرئيس المكلف بالدخول في لعبة الشروط والشروط المضادة لتأليف الحكومة، معلناً أكثر من موقف وفي مختلف الاتجاهات، كل ذلك زاد اللعبة تعقيداً وزاد في الطين بلّة. فهل كان دولة الرئيس بري بحاجة إلى اتخاذ هذه المواقف؟ وما المقصود من حرق كل المراكب وقطع طريق العودة؟ وفي النهاية نسأل السؤال بماذا أفاد كل ذلك الرئيس المكلف سوى بزيادة العناد عناداً والمضي في لعبة التسويف والمماطلة التي أتقن ممارستها ومنذ اليوم الأول للتكليف؟!.
من المعروف أن رئيس حركة أمل ليس بحاجة للشعبوية واللعب على وتر الشارع والتجييش، ولا سيما أن المناسبة هي لإحياء ذكرى الإمام الصدر الرجل المشهود له بالوطنية وبالمواقف اللبنانية الصرفة التي دفع ثمناً لها إخفائه، الإمام المغيّب الذي يحظى باحترام المسيحيين قبل المسلمين والذي لم يفرّق يوماً بين لبناني وآخر، فكان له جمهوره الوطني الذي رافقه من مسجد الصفا في العاملية إلى الجامعة اليسوعية وصولاً إلى الليمونة وكل المطارح التي كان يلقي خطبه فيها، ويعلن مواقفه الجامعة من خلالها، حتى أنه كانت له مقاربته الخاصة للدولة المدنية، سقى الله الزمن الجميل وأعاد لنا الإمام من غيبته.وبالعودة إلى الرئيس المكلف فلن تفيده لا مواقف التأييد والدعم من هنا أو من هناك، ولا اتخاذ المواقف عالية السقف التي تزيد الشرخ، علماً أن لكل من الداعمين له أجنداته الخاصة من الحكم والحكومة والرئيس العتيد.من اللافت أن يبدأ البعض بوضع شروطه ومواصفات الرئيس الذي يريد، وكأننا نعيش في ظل نظام رئاسي، حيث للرئيس صلاحيات لا ينص عليها الطائف، في مقابل ذلك ينبري البعض للمناداة بصلاحيات للمجلس النيابي وكأننا نعيش في ظل نظام مجلسي. فالحديث على ان للمجلس صلاحية تفسير الدستور هو هرطقة دستورية، فللمجلس صلاحية تعديل الدستور وان التفسير لبعض مواده هو أقرب إلى التعديل منه إلى التفسير، مما يعني أن التفسير بحاجة لإقراره لثلثي عدد أصوات المجلس النيابي وليس لأكثرية بسيطة، عدا عن الدور الذي من المفترض أن يضطلع به المجلس الدستوري في هذا المجال.
وكي لا تدخل البلاد في كل ذلك على الرئيس المكلف أن «يهمّها»، ويذهب للتأليف بدل التسويف.
المصدر: اللواء