المقدمة
يُشَرِفُني أَنْ أَكْتُبَ هذهِ المقالة لموقِعِكُم الكريم عن السِّيد القائد الامام موسى الصَّدر لمناسبة الذكرى 46 لغيابِهِ القسريّْ معَ رَفيقَيْهِ في ليبيا. وقد اخترتُ التحدُّثَ عًنْ الوطنِ الذي أثمرَ بفضلِ أنوارِ العشقِ الالهيّْ المتجلِّي في فكرِ الامامِ المغيَّب الذي كانَ لهُ الفضلُ في رَسْمِ خَريطةِ طريقٍ للبنانَ الوطن الذي حَلَمَ بهِ.
فالوطنُ في القاموس العربيِّ هوَ مكانُ إقامةِ الإنسان ومقرُّه ، وإليهِ انتماؤُهُ ، وُلِدَ بهِ أَوْ لَمْ يُولَدْ “، كما يَلْحَظُ أَيضاً : “الوطنُ اَلأصليُّ ، مَوْضِعُ الولادةِ ، وَطنُ المَوْلِدِ أو الوَطنُ الثاني ” الوطنُ هُو الأهلُ والجيرانُ والمكانُ، هوَ الجذورُ والأصلُ وخيرُ مًنْ يُعلِّمُنا حُبَّ الوطنِ هُمُ القادة.
أما بَعد، الإمام موسى الصدرُ هو إبْنُ الجُرْحِ والوَجَع الكربلائيِّ في تاريخِ الأمة، قَدُمَ إلى لبنانَ، وَقَدْ وعى عُمْقَ التفاوتِ بينَ أبنائهِ ومناطقِهِ، وقَفَ على دِقَّةِ توازُناتِهِ، أَدْرَكَ دَورَهُ في تَفاعُلِ الحضاراتِ فَشَقَّ دَرْبَهُ النضاليّ حاملاً قضيّةَ لبنانْ، وَعَلِمَ منذُ البدايةِ أنّهُ لا وِحدة وطنيةً في غيابِ العدالةِ الاجتماعيةِ وفي وجودِ خَلَلٍ في التوازناتِ السياسيةِ وفي عَدَمِ الاعترافِ بالآخر.
منْ أَجْل العدالةِ أَسسّ حركة المحرومين سنة ۱۹۷۳ ، ومِنْ أجلِ التوازنِ أسسَّ المجلسَ الاسلاميَّ الشيعيَّ الأعلى سنة ١٩٦٩ ، ومِنْ أَجْل التفاعلِ أَسَسَّ لجنةَ الحوارِ الاسلامي – المسيحي سنة ١٩٦٥. وَعَليْهِ، إنَّ مُرتَكزاتِ الوِحدةِ الوطنية عندَهُ هي العَدالةُ بينَ المواطنينَ، التوازنُ السياسيّ بين الطوائف والتفاعلُ بَينَ الأديانِ والقيَمِ الثقافية.
أولاً : الوحدة الوطنية القائمة على العدالة الاجتماعية
المُنْطَلَقُ الاجتماعيُّ الجغرافيُّ لهذهِ الوَحدةِ هُوَ أنَّها وِحّْدَةٌ بَينَ المركزِ والأَطْرافِ يُبْنَى على قَاعِدَتِها تأمينُ الحياةِ الانسانيةِ الكريمةِ لجميعِ المواطنينَ في جميعِ المناطق. وَقَدْ عَمِلَ الامام موسى الصَّدر على رِعايةِ العَدْلِ وإحقَاقِ الحقِ وَرَفْعِ الظلاَماتِ عَنْ جميعِ المغبونينَ مِنَ المواطنينَ وفي يقينِهِ أنَّ الحرمانَ حرمانٌ مركَّبٌ، مناطقيٌّ / طائفيٌّ ، فليسَ للظلمِ طائفةً فالظالمونَ من كلّ الطوائفِ والمظلومونَ مِن كلِّ الطوائفْ.
إنَّ مفهومَهُ للغُبْنِ والحرمانِ ينطوي على نظرَةٍ وَحْدَويةٍ ويتحرَّكُ نحوَ أهدافٍ وَحْدويّة. العدالةُ للجميع، طوائفُ ومناطقُ، هِيَ عنوانُ الوِحْدةُ، لَمْ يقبلِ التمييزَ بينَ الطوائِفِ وَلَمْ يقبلْهُ بينَ المناطق. فالتمييزُ هوَ عاملُ إضعافٍ للوِحْدَة، وهُوَ إنتهاكٌ لحقوقِ المواطنِ وإعتداءٌ على كَراَمتِهِ الشخصية. فالعدالةُ والكرامةُ تُشَكلانِ حزامَ الأمانِ للوِحْدةِ أمَّا وِحْدَةُ الكيانِ وثباتُهُ فَمُقيّدانِ بشرطِ عدَم الإستِئْثارِ وَالطُّغيانِ وتجاهُلِ الآخر.
إنَّ الفكرةَ السائدةَ في نظامِ تفكيرِهِ الإجتماعيّ هيَ أَنَّ ” لُبنانَ بلدُ الإنسانِ والعيشِ الكريم ” وأنَّهُ وطنُ الجميع، وطنٌ ” لا يُمكِنُ بقاؤُهُ معَ حرمانِ القَسْمِ الأكبرِ مِنْ أبنائِهِ ” وَ ” وِحدةُ شعبهِ ، بمناطِقِهِ وِطوائفِهِ المتعدِّدةِ، يجبُ أَنْ تُتَرجَمَ بالعدالةِ الاجتماعيةِ وبتكافؤِ الفرصِ بينَ الجميع.”
ثانياً: الوحدةُ الوطنيةُ القائمةُ على التوازنِ السياسيّ الطائفِيّ
إنَّ المُنْطَلقَ الاجتماعيَّ السياسيَّ التكوينيَّ لهذهِ الوحْدَة هُوَ أَنَّها وِحْدَةٌ بينَ الطوائف، وِحْدَةٌ في التنَّوعِ وفي التعدّديةِ المتكامِلَةِ المبنِّيةِ على قاعِدَةِ المساواةِ في العلاقةِ بالدولةِ، فإشراكُ الطوائفِ بشكلٍ متوازنٍ في مُؤسساتِ الدولةِ هُوَ المبدأُ الثابتُ لضمانِ وِحْدَتِهَا. لا وِحْدَةَ خارجَ مبدأِ المشاركةِ المتوازنةِ في إشراكِ الطوائفِ في مؤسساتِ الدولةِ لضمانِ وَحْدَتِهَا لأنَّهُ ينأَى بالطوائفِ عنْ بناءِ مشارِيعِها الخاصّة، ولأنَّهُ يَمْنَعُ الطغيانَ والهيمنة. فَديمقراطيةُ السلمِ الأهليّ هي ديمقراطيةُ المشاركةِ المتوازنةِ في الدولة.
أَمّا الأساسُ لبناءِ وِحْدَةٍ وطنيةٍ مُتكافِئةٍ فَهُو أَنَّهُ لا إمتياز تاريخياً لطائفةٍ على طائفةٍ في خِدْمًةِ الوطنِ والدولةِ. تنظيمُ الطوائفِ هُو لتفعيلِ المشاركةِ في بناءِ الدولةِ وحمايةِ الوطنِ خارجَ الطموحاتِ الخاصَّةِ، فالتنظيمُ هوَ طريقُ التمثيلِ الصحيحِ في الدولة . الطوائفُ تَنشَطُ وتتحرَكُ تحتَ سقفِ الدولةِ، مُؤسَّساتُ الطوائفُ هي للْجَمْع لا للتفرقة، وهي مُنطَلقَاتٌ لِلْتعاونِ ولِلْحوارِ بينَ الطوائِفِ ومَعَ الدولة. مؤسَّساتُ الطوائف ليست بديلاً عن المؤسَّساتِ الوطنيةِ والدستورِيةِ، وهى ليسَتْ مرجعياتٍ موازيةً للمرجعياتِ الشرعيةِ. هذه هِيَ المبادئُ الحاكِمَةُ لفكرِ الإمامِ في علاقةِ الطوائفِ بالدولةِ ، وهي مبادئُ تُؤسِّسُ لكلِّ كلامٍ على وحْدَةٍ وطنيةٍ حقيقيةٍ وثابتةٍ.
ثالثاً : الوحدةُ الوطنيةُ القائمةُ على تفاعُل المسيحيةِ والاسلام
المُنْطَلَقُ اللاَّهوتيُّ / الفُقْهيُّ لهذهِ الوحْدَة هُوَ أنَّها وِحْدَةٌ بينَ الأديان. فالدِّينُ ، لَيْسَ عَائِقاً أمامَ الوِحْدَةِ الوطنية. أَمَّا العوائقُ أمامَ الوِحْدَةِ التي ينشرُها الفكرُ التكفيريّ فهي التَعَصُّبَ والعنصريةَ.
فالإمامُ المغيَّب السيّد موسى الصدر لَه الفضلُ في تكوينِ النواةِ الأولى لمَنّهجِ الحوارِ الإسلاميّ المسيحيّ في لبنان. فَسَماحتُهُ يُقِفُ في طليعةِ كبارِ الأئمّةِ والعلماءِ الذينَ نذرُوا وكرَّسوا نَبْضَ العيشِ وَمسَاحاتِ الوقتِ مِن أجلِ إطلاقِ الحوارِ الإسلاميّ – المسيحيّ في لبنان. وكانَ ذلكَ معَ المطران جورج خضر والمغفور له الأب يواكيم مبارك والمفكِّرَيْن الراحلَين الشيخ صبحي الصالح والدكتور حسن صعب والأب فرنسوا دوبره لاتور ويوسف أبو حلقة ونصري سلهب . هم أوَّلُ الذين وقَّعوا بياناً في الثامنِ من تموز ١٩٦٥، في إطارِ المحاضراتِ التي نظمَّتها “الندوة اللبنانية” عَن “المسِيحية والاسلام في لبنان”. هذا البيان يشكل نقطةَ البدايةِ الفعليةِ للحوارِ الإسلاميِّ المسيحيّ في لبنَانَ لِما تَضمَّنَهُ مِنْ تأكيدٍ على الثوابتِ التاليةِ المشتركةِ في المسيحيةِ والاسلام.
الإيمانُ المشتركُ المسيحيُّ الإسلاميُّ بإلهٍ واحدٍ أَحَد.
مهما تعدَّدتِ الرسالاتُ السماويةُ المُوحَّدة، فالمسيحيةُ والإسلامُ بالنسبةِ إليهِ هُما: “دينُ اللهِ الحقّ”.
الدَّيانتان المسيحيةُ والإسلاميةُ أُرْسِلَتَا لخدمةِ الإنسانِ وَصَوْنِ كَرامَتِهِ، وَحمايةِ حقِّهِ في الحياةِ الفُضْلَى بسَلام ومَحبَّةٍ ووئامٍ وقبولٍ للآخَرِ المُخْتَلِف.
المُشْتَركاتُ القيميَّةُ في الدِّيانتينِ وهيَ قيمٌ روحيَّةٌ، ومبادئُ خُلقيةٌ، وَكَذلِكَ نُظُمٌ سلوكيَّةٌ مُشْتَركة.
هَذِهِ الثوابتُ الأربع شَكّلَتْ جَوْهَرَ رسالةِ الإمام موسى الصَّدر، وهو لَمْ يَتَوانَ يَوْماً في تَصْريحَاتِهِ وَمُحَاضَراتِهِ، عَنْ الإستمرارِ في التأكيدِ وإعادةِ التأكيدِ عَلْيها. فَهَا هُوَ في كنيسةِ الكبُّوشيِّينَ، قُبَيْلَ إندِلاع الحربِ الأَهليةِ في لبنانَ، يُعْلِنُ “أَنَّ الأديانَ كانَتْ واحِدَةً، لأنّ المبدأَ الذي هُوَ اللهُ واحدٌ، والهدفَ الذي هُوَ الانسانُ واحدٌ، وعندما نَسينَا الهَدَفَ واْبتَعدْناَ عَنْ خدمةِ الإنسانِ، نبذنا الله وابتعد عنا فاختلفنا وخدمنا المصالح الخاصة، وعبدنا آلهة من دون الله، وسحقنا النسان فَتمزَّقَ”. والسَيّدُ المسيحُ يحتلّ في فِكْرِ الامام موسى الصَّدر موقعاً مُميزاً، فَهُوَ الثائرُ على النُّظمِ الظَّالِمَةِ وَمُحَرِّرُ الإنسانِ مِنْ جُمودِ المجتمعِ الدِّيني، وَهُوَ على مثالِ الحُسينِ بِنْ علي (ع)، شَهيدِ الانسانيةِ وفاديها، فيُنادي المسيحَ بـ “الفادي”، أغلى وَصْفٍ عندَ المسيحيينَ لمسيحِيهِمْ.
الخاتمة
أيُّها الأخوةُ، في حياتنا الأرضيَّةِ يَكْفي أَنْ نَجِدَ شَعْباً وَدَوْلَةً تُحاربُ الجَهْلَ وَتَدْعُو إلى التَّنميةِ الفِكريَةِ المُسْتَدامَةِ حتَّى نُدْرِكَ كيفيةَ مواجهةِ التحدِّياتِ المُختَلِفَةِ بإنسانٍ مُتَجَدِّدٍ وَرُؤىً ثابتةٍ. أَلَمْ يَقُل – تعالى- في كتابِهِ الكريم: “قُل رَبّي زِدني علماً” سورة طه الآية 114، أَيْ بمعنى أَضفْ إلى عُلومي الدينيةِ والفقهيةِ علوماً أخرى مُفيدةً وإجتهاداتٍ تُسَهِّلُ عَمَلَ الإنسانِ وَعَيْشَهُ الكريمَ وَتَضَعُهُ في مواجهةِ كافَّةِ العراقيلِ وتُمَجْدُ اللهَ في أَعْمالِهِ. وفي الإنجيلِ المقدسِّ نَجِدُ الآيةَ : “فَتّشوا الكُتُبَ” (إنجيل يوحنا ٣٩:٥) أَيْ ابحَثوا وَلَا تَمِلُّوا في التفاصيلِ الدقيقةِ التي مِنْ خِلالِها يَجْتَمعُ العلمُ والإيمانُ لخيرِ الإنسانِ والبشريةِ جمعاء.
نَعَمْ وَمِنْ دونِ شَكِّ إنَّ إستراتيجيةَ العَصْرِ هي الإنفتاحُ والحوارُ على ما جاء في الآية الكريمة: “جَادِلُوهُمْ بالتي هي أَحْسَن” سورة النحلِ الآية 125، إِذًا ومُنْذُ القديمِ سياسةُ الحوارِ هي الأجْدىَ والأقربُ إلى قلبِ اللهِ، وَمِنْها تَنبَعِثُ تدابيرُ الحكمةِ والصَّلاحِ في دولِ العالم أَجمع .
غُيِّبَ الإمام موسى الصَّدر في صيفِ ۳۱ آب ۱۹۷۸ وكأنَ ذلكَ الصيفَ أَرَاَدَ أَنْ يَخْتَتِمَ فَصْلَهُ على شَكْلِ قصةٍ قصيرةٍ غيرِ مُشوِّقةٍ لِتُحفَظَ في قاموسِ النسيانِ. فالموتى الهابطونِ الى العالمِ الأسفلِ في الميثولوجيا الاغريقية، يَشْرَبونَ في طريقهم مِنْ نبعِ النسيانِ لكيّ يقضُوا حياةَ الآخرةِ بدونِ ذاكرةٍ أي بدونِ تاريخٍ إلاَّ أنَ عِشْقَ اللبنانيينَ للإمامِ المغيب السيد موسى الصدر دَفَعَهُمْ أن لا يشرَبوا مِنْ نبعِ النسيانِ بَلْ شَرَبَتْ أَفْواهُهُمْ وقلوبُهُمْ مِنْ نبعِ التَذَكُّر وَعِرْفانِ الجميلِ للإمام موسى الصَّدر وَلِنَهْجِهِ المُنْفَتِحِ وَفِكْرِهِ الَنيِّر. فبالرُّغمِ مِنْ طولِ الغيابِ القسريِّ وَبُعْدِ المسافةِ المكانيةِ إلاّ أنَ حُضورَهُ ما زالَ موجوداً في الذاكرةِ، في التاريخِ، في الجغرافيا، في الوُجدانِ، في الشُّهداءِ، في القلوبِ، في العيونِ، في الأحلامِ، في الحياةِ السياسيةِ اليوميةِ، في وجعِ الناسِ، في الجنوبِ المُتَالِّمِ والمقاوم والمنتصر، في الصُوَرِ المعلقةِ على جوانبِ طرقاتِ القرى والبلداتِ اللبنانية. فالإمام السيد القائد موسى الصدر لمْ يَمُتْ ولَمْ يَعُدْ أسْطورَةً بلْ هو قصةٌ حقيقيةٌ مُشَوِقةٌ لِعِشْقٍ وُحُبِّ سَام : كما قالَ السيدِ المسيح في الإنجيلِ المقدَّس “لَيسَ مِنْ حُبٍ أَعظَم مِنْ أنْ يبذُلَ الإنسانَ نفسَهُ في سبيلِ أحبائِّهِ” ( انجيل يوحنا 15 :13 )، فَهو أيّ الإمام موسى الصَّدر بَذَلَ كلَّ شيءٍ حتى حياتَهُ في سبيلِ الإنسانِ وكلِّ إنسانٍ، وَهو القائِلُ “وطني حيثُ يوجدُ ظُلْمٌ وإستبداد”.
في الختامِ، الإمام موسى الصَّدر هُوَ أيقونةٌ للتأملِ وهذهِ الأيقونَةُ تَلَوّنَتْ بألوانِ الزَّهْرِ والليمونِ والتفاحِ والزيتونِ لتَحكي قِصَّةَ حُبِّ وعِشْقٍ بدأتْ فُصولُها في مدينةِ قُمْ المقدّسَة لتختفي في أحدِ أيامِ الصيفِ الحَارِّ في مدينةِ طرابلس الليبية، إلاَ أنَّ طيفَ الإمامِ، وحضورَهُ الروحيَّ ما زالَ يَشْهَدُ لِحالةِ العشقِ اَلمُتَبادلِ بينَ الإمامِ وأبناءِ وطنِهِ . وها هو صَوْتُهُ يعلُو ويقولُ لنا: “سأبقى المعوَلَ الذي يَهْدُمُ الحواجزَ المُصْطَنعةَ بينَ المواطنين” وَمِنْ هذا المُنّطَلَقِ يدعُونا الإمام موسى الصَّدر الى :
تربيةِ الإنسانِ على إسْتِشْعارِ مَا لِلوطَنِ مِنْ أَفْضالٍ سابقةٍ ولاحِقةٍ عليهِ ( بَعْدَ فضلِ اللَه سبحانَهُ وتعالى ) مُنذُ نعومَةِ أظفارِهِ ، وَمِنْ ثم تربيتهِ على ردِّ الجميلِ ، ومجازاةِ الإحسانِ بالإحسان.
الحرصِ على مَدِّ جُسورِ المَحبَّةِ والمَوَدَّةِ مَعَ أبناءِ الوطنِ في أيِّ مَكَانٍ منهُ لإيجادِ جوٍّ مِن التآلُفِ والتآخي والتآزر بينَ أعضائِهِ الذينَ يُمَثّلونَ في مَجْموُعِهِمْ جسداً واحداً متماسكاً في مواجهة الظُّروفِ المختلفة.
غرسِ حُبِّ الإنتماءِ الإيجابيٍِّ للوطن ، وتَوْضيحِ معنى ذلِكَ الحُبّ ، وبيانِ كيفيتهِ المُثْلى مِنْ خلالِ مختلفِ المؤسساتِ التربويةِ في المجتمعِ كالبيتِ ، والمدرسةِ ، والمسجدِ والكنيسةِ والحزبِ والنادي ، ومكانِ العملِ ، وَعَبّرَ وسائلِ الإعلامِ المختلفةِ مقروءةً أو مسموعةً أو مرئية .
العملِ على أَنْ تكونَ حياةُ الإنسانِ بخاصةٍ والمجتمعِ بعامةٍ كريمةً على أرضِ الوطنِ ، ولا يُمْكِنُ تحقيقُ ذلكَ إلاَّ عندما يُدركُ كلّ فردٍ فيهِ ما عليهِ من الواجباتِ فيقومُ بها خيرَ قيام .
تربيةِ أبناءِ الوطنِ على تقديرِ خيراتِ الوطنِ وَمُعطياتهِ والمحافظةِ على مَرافِقِهِ وَمُكْتسَباتِهِ التي مِنْ حقِّ الجميع أنْ ينعمَ بها.
الإسهامِ الفاعلِ والإيجابيّ في كُلِ ما مِنْ شَأْنِهِ أن يخدمَ الوطنَ ورُفْعَتهُ سَواء كانَ ذلكَ الإسهامُ قولياً أو عملياً أو فكرياً ، وفي أي مجالٍ أو ميدانٍ ؛ لأنَّ ذَلكَ واجبُ الجميع ؛ وَهُوَ أمرٌ يعودُ عليهِمْ بالنفّعِ والفائدةِ على المستويين الفرديّ والاجتماعيّ.
التَصدِّي لكلِّ أمْرٍ يَترتَّبُ عليهِ الإخلالُ بأمْنِ وسلامةِ الوطن ، والعملِ على رَدِّ ذلكَ بمُخْتَلفِ الوسائلِ والإمكاناتِ المُمْكنةِ والمُتاحَةِ، فمقاومَةُ الاحتلالِ الاسرائيليِّ هي أفضَلُ مِثال .
اليوم نحنُ في أَشَدِّ الحاجةِ إلى أَنْ نَعُوَد ونَسْتَقي مِنْ ينابيعِ حاملي رايةِ العيشِ الواحدِ بينَ مُخْتَلفِ العائلاتِ الروحيةِ اللبنانيةِ وجَعْلِها جَرَسَ الحريةِ الصاخبِ بالرَّنينِ لنُوقِظَ وُجْدانَ العالمِ النائمِ، ولا بُدَّ مِنْ أَنْ نرفعَ درجاتِ التكريمِ لِسَمَاحَتِهِ والتي تَتَمَثَلُ بالإلتزامِ والعملِ بما عَلَّمنَا إيّاه وعَمِلَ مِنْ أجْلِهِ، بِدءًا من ثوابتِ تقديسِ رسالةِ العيشِ الوطنيّ المشترك، مُروراً بالقيمِ الضامِنَةِ للمصيرِ والكيانِ الوطنيّ، وَوُصولاً إلى ثابتةِ الوحدةِ الوطنيةِ في إطارِ منظومةِ قيمِ المساواةِ والعدالةِ والحريةِ والكرامةِ.
فلنتذكر ما قاله الإمام السيد موسى الصدر عن الوطن “لبنانُ هو ضرورةٌ حضاريةٌ لخلقِ الحوارِ بينَ الشعوب، وضرورةٌ دينيةٌ يرفَعُ عَنِ الأديانِ تهمةَ التعصبِ وتقسيمِ البشر، وضرورةٌ ثقافيةٌ يكونُ فيها جسراً لحوارِ الثقافاتِ بينَ الشرقِ والغرب”.