بدأت القصة في اجتماعات بروكسل التي شارك فيها وزيرا الخارجية والشؤون الاجتماعية عبدالله بو حبيب وهيكتور حجار. لمس الوزيران عدم وجود تجاوب دولي مع مساعي لبنان لاعادة النازحين السوريين الى بلادهم وأنهم لن يقفوا الى جانبه في هذا المنحى. يومها، اطلق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي موقفه الشهير ان لبنان غير قادر على استيعاب النازحين والاعباء المترتبة على وجودهم على الاراضي اللبنانية، ليقابل بردّ من مسؤولة دولية قالت ان لبنان يتلقى مساعدات مقابل استضافته النازحين، مستنكرة ما اسمته التجييش ضدهم في لبنان، ما يفصح عن وجود تباين كبير بين نية لبنان بإعادتهم ورفض المجتمع الدولي لهذه العودة تحت طائلة حجب المساعدات عنه. ويضع الرفض الدولي لعودة النازحين السلطة في لبنان امام مأزق كبير، لعدم القدرة على مواجهة المجتمع الدولي او تحدّيه بتنظيم العودة مع السوريين بعيداً من التنسيق مع منظماته، وهي، تلافياً لاي صدام مع هذه الاخيرة تتجنب التفاوض المباشر مع السوريين للاتفاق على خطوات العودة، ومن ناحية ثانية فان لبنان لم يعد قادراً على استضافة كل هذه الاعداد فيما يعاني المواطن اللبناني من انعدام قدرته الشرائية وتدهور العملة المحلية بينما لا ماء ولا كهرباء.
حتى في ملف النازحين باتت الاجتماعات تعقد مرة في بعبدا وأخرى في السراي، وسط تداخل في الصلاحيات بين وزارتي الشؤون الاجتماعية والمهجرين. مصادر مطلعة قالت ان الوزير عصام شرف الدين ابلغ ميقاتي بوجود خطة لديه لاعادة النازحين ينوي اطلاع السوريين عليها. فكان جواب ميقاتي: اذهب بمبادرة شخصية ولا تقل انك موفد رسمي لان المنظمات الدولية ترفض التنسيق مع سوريا في هذا الملف.
وعلى خلفية زيارة سوريا التي قام بها وزير المهجرين انفجر الخلاف بينه وبين وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار الذي رأى في تصرف زميله تعدياً على صلاحيات وزارته فتسلح شرف الدين بتفويض سبق وناله من رئيس الحكومة. احتدم النقاش بينهما ودوّى صراخهما في ارجاء السراي ما استدعى استنفار أمن السراي.
بادر شرف الدين لزيارة سوريا متسلحاً بتفويض ناله من مجلس الوزراء قال ان نسخة منه موجودة لدى الامانة العامة. استقبله وزير الادارة المحلية ووزير الداخلية السورية ونقل ان لا مشكلة لدى سوريا بعودة النازحين وهي سبق واعلنت عن وجود عفو شامل يستفيد منه الجميع. وفي اعقاب الخلاف الاخير مع حجار تغيب شرف الدين عن اجتماع الامس في السراي فيما حاول حجار التخفيف من حدة الخلاف معه بالبيان الذي اصدره عقب الاجتماع. مصادر عليمة غمزت من قناة ان يكون سبب مقاطعة شرف الدين مرتبطاً بإدراج اسمه في عداد الوزراء المنوي استبدالهم في الحكومة. وفي اتصال مع «نداء الوطن» قلّل حجار من أهمية التعارض الذي برز بينه وبين وزير المهجرين ليقول ان المهم تضافر الجهود لمعالجة هذا الملف الذي بات يفوق قدرة لبنان على تحمل تبعاته واعبائه. يرى اهمية ان تواكب لجنة المتابعة التنسيق على جبهتي المسؤولين في لبنان والمجتمع الدولي الذي يعارض هذه العودة ولا يلتقي مع مساعي الحكومة في هذا الصدد. باعتقاده ان استمرار التفاوض هو السبيل الوحيد لاقناعهم بصوابية الموقف اللبناني وان ذلك يستلزم مزيداً من التنسيق واشراك كافة الوزارات المعنية بالملف بما فيها وزارتا الخارجية والدفاع.
وتتداخل في موضوع النازحين عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية. فإلى رفض المجتمع الدولي مبدأ العودة وعمله الدؤوب على خطط بعيدة المدى تهدف الى استيعاب النازحين ودمجهم في المجتمع اللبناني، فإنه من غير المعلوم بعد كيف سيكون ردّ سوريا على مساعي لبنان الذي يتخبط في المعالجة كما في تحديد المسؤولين عن الملف. فمن الناحية السياسية، لن يرضى الجانب السوري المعالجة من خلال مبادرات فردية وان كانت على مستوى وزراء، طالما لم تقرن بتفويض رسمي تتبلّغه بالطرق الرسمية، والسؤال الاساسي هنا: هل ستجد لها مصلحة بتسليف هذا الملف الى ميقاتي ام ان الاقربين من الحلفاء اولى بجني ثماره؟ سؤال آخر يتعلق بالخطوات الحكومية المنوي اتخاذها طالما استمر رفض المنظمات الدولية، فهل تلجأ الى فرض ضريبة سنوية على النازحين وتحديد بدل اقامة وفرض ضريبة عن كل خيمة لايواء النازحين؟ هل ستوافق الحكومة على تشكيل لجنة تنسيق مشتركة مع السوريين لتنظيم العودة يرأسها اللواء عباس ابراهيم كما سبق وتم الاتفاق؟
المصدر: نداء الوطن