تعيش الساحة الداخلية انقلابا سياسيا كبيرا ظهرت تجلياته قبل سنوات، حين اتُخذ قرار تصفية حزب الله من قبل العواصم الغربية المعنية بالملف اللبناني وبكل الوسائل المتاحة مهما كان حجم الخسائر التي قد تصيب المكونات اللبنانية.
اربعة شروط وضعتها الدول الكبرى في محادثاتها مع الطرف اللبناني، قد تكون مستحيلة بالنسبة البه لأنها تدفعه الى الانتحار السياسي والتضحية بمستقبله في هذا البلد، ولكن العودة الى حديث الرئيس نبيه بري الذي أجراه مع الاعلامية ماغي فرح بعد اتفاق الطائف ولاسيما في الشق الذي تحدث فيه عن الطبقة السياسية التي انتجها ميثاق 1943 والتي عاثت فسادا وهدرا في البلد، ناعيا اياها بعد اتفاق الطائف، هو خير دليل على أن التاريخ اليوم يُعيد نفسه، طالما أن الصيغة اللبنانية الطائفية لا زالت على حالها منذ اعلان دولة لبنان الكبير والتي نحتفل بمئويتها الاولى هذه السنة. فما هي هذه الشروط ومدى جديتها؟
يُعد ملف ترسيم الحدود الشرط الاول بالنسبة لتلك الدول، وفي هذا الاطار تقول مصادر وزارية ان الجانب الاميركي مصر على ترسيم كامل للحدود اللبنانية من مزارع شبعا الى منطقة وادي خالد الحدودية شمالا والبقاع شرقا كما الحدود البحرية الجنوبية مع اسرائيل، وتؤكد أن هيل سيكون واضحا في هذا الاطار لاسيما وأن الولايات المتحدة حريصة على تطبيق قانون قيصر بكل مندرجاته وما يعنيها منه تضييق الخناق على حزب الله في الداخل وعلى النظام في سورية لتجفيف منابع امداداته العسكرية واللوجستية.
ويحرص الجانب الاميركي على التدخل المباشر في هذا البند ويرفض تفويض أي دولة أوروبية فرنسية أم المانية، ووكيل وزارة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى دايفيد هيل سيبلغ الامر شخصيا الى المعنيين بأن الاولوية اليوم هي لترسيم الحدود اللبنانية بهدف تضييق الحصار على حزب الله.
أما الشرط الثاني فيتعلق بملف تشكيل الحكومة، وهنا يذهب الاميركي بعيدا ويصوب سهامه على أي حكومة يشارك فيها حزب الله، ويلح على حكومة حيادية مؤلفة من شخصيات تحظى بدعم المجتمع المدني اللبناني ومن ثورة 17 تشرين ولا يرى في سعد الحريري رئيسا جديا لها، بل يريد شخصية قادرة على القيادة وفي جعبتها خططا اصلاحية اقتصادية يمكنها انتشال البلد من أزمته بمساعدة المجتمع الغربي.
اهداف الحكومة المتوقعة بحسب الدول المعنية ينقلنا الى الشرط الثالث وهو الاصعب ويتمثل باقرار قانون انتخاب جديد يمهد لانتخابات نيابية مبكرة، وفي هذا السياق ثمة من يردد بأن اقرار القانون الانتخابي لن يكون سهلا سيما وأن هناك رغبة دولية بالاشراف على الاقتراحات الموضوعة، على أن تكون قريبة من المطالب اللبنانية وتراعي صحة التمثيل ولا تكون معلبة وعلى قياس الطبقة السياسية كما حصل في القانون الانتخابي الاخير الذي جاء صوته التفضيلي وحواصله لتعزيز تمثيل الاحزاب المهيمنة على البلد.
وتشير المعلومات الى أن عددا من المحامين والدستوريين الذين يعملون مع منظمات غير حكومية وضعوا بعض المشاريع التي يمكن دمجها للوصول الى قانون يلبي طموحات اللبنانيين.
الشرط الرابع لا يقل أهمية عن الثلاثة السابقين، ويتعلق برئاسة الجمهورية، وهذا مطلب غربي جوهري بالنسبة الى تقصير ولاية الرئيس لانه مرتبط بسلة التغيير الموعودة من حكومة محايدة الى مجلس نيابي مننتخب وفق قانون انتحابي. والقافلة برأي تلك الدول لن تسير ما لم يكن التغيير متكاملا.
هذا الشرط تم تسويقه بشكل كبير لاسيما بعد تفجير الرابع من آب، حيث تم التصويب على رئيس الجمهورية من موقع الصلاحيات المنوطة به كقائد أعلى للقوات المسلحة واستغلال حديثه عن الصلاحيات للبحث بفكرة التغيير، وهذا الامر طرحه الجانب الاميركي وأصر عليه أيضا مع الدول الراعية للبنان.
الشروط الاربعة تبدو في غالبيتها مستحيلة ان لم نقل تعجيزية، اذ أن المكونات اللبنانية الحاكمة لم تأت من فراغ بل لها حيثيتها الشعبية لاسيما حزب الله، ولكن الاصرار الغربي بحسب المصادر الوزارية مربوط بحزمة عقوبات كبيرة في طريقها الينا وقد تكون مالية أو أمنية، وبالتالي فان قرار التغيير في لبنان اتخذ ونحن أمام خيارين: اما التغيير السلمي أو بالقوة، والمؤشرات بدأت تتضح أكثر مع دخول الجانب الاميركي أرض المعركة، حيث سارعت ادارة الرئيس دونالد ترامب الى ارسال دايفيد هيل الى لبنان وتمديد زيارته ولقاءاته لتشمل أيضا ممثلين عن المجتمع المدني اضافة الى الرؤساء الثلاثة. وما يهدف اليه الغرب وتحديدا الولايات المتحدة واضح وضوح الشمس وهو تغيير الطبقة السياسية بكل مكوناتها والدفع بوجوه جديدة تلاقي ما يحصل في المنطقة الذاهبة نحو معاهدات سلام مع اسرائيل، وليس من قبيل الصدفة تزامن الاعلان عن اتفاق تاريخي بين الامارات واسرائيل برعاية اميركية لتطبيع العلاقات مع زيارة الموفد الاميركي الى بيروت واعلانه من منطقة الجميزة المنكوبة مشاركة الاستخبارات الاميركية ال fbi في تحقيقات انفجار المرفأ، ودخول المنظمات غير الحكومية الاحياء والمناطق المنكوبة ومنع ايصال اي مساعدة الى وزارات الدولة اللبنانية. كل ذلك يؤشر الى أن تدويل الملف اللبناني يسير بسرعة رغم النفي الرسمي.
في المنطقة اذا اللاعب الاميركي والى جانبه الدب الروسي المدافع الشرس عن مصالحه، ولن تتأخر موسكو بتلبية المطالب الاميركية اذا احتاج الامر لحراسة الحدود الجنوبية اللبنانية والسورية والدفع بحزب الله الى الوراء، لكسب نفوذ في مناطق تعتبر مهمة لروسيا كغربي البلقان.
أسابيع خطيرة يعيشها لبنان، والهاجس الامني يتصدر المشهد الداخلي، فأي خلاف في بنود المفاوضات سينعكس على الداخل وهذه المرة ستكون السيناريوهات أكثر ايلاما لأن ما يرسم للمنطقة يتطلب أثمانا باهظة من أي طرف يريد المواجهة.
ليبانون فايلز