عماد مرمل
لم يكن الموقف الذي اتخذه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي خلال الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء تقليدياً او مألوفاً.. فما هي دلالاته وأبعاده؟
فاجأ ميقاتي عبر نمط مقاربته للوضع في الجنوب وغزة، الكثيرين ممن يعتبرون انّ الرجل متخصّص في تدوير الزوايا والنأي بالنفس، وانّه من هواة اللون الرمادي والإمساك بالعصا من الوسط.
لكن ميقاتي آخر ومختلفاً ظهر أثناء مداخلته في مجلس الوزراء، حيث اعتبر انّ «التهدئة في لبنان فقط أمر غير منطقي، وانطلاقاً من عروبتنا ومبادئنا، نطالب بأن يُصار في أسرع وقت ممكن الى وقف اطلاق النار في غزة، بالتوازي مع وقف اطلاق نار جدّي في لبنان». وأضاف: «لا نقبل بأن يكون أخوة لنا يتعرّضون للإبادة الجماعية والتدمير، ونحن نبحث فقط عن اتفاق خاص مع أحد».
هكذا، يكون ميقاتي قد أعلن صراحة عن «تلازم المسارين» بين غزة والجنوب، كاسراً القالب النمطي للسياسة الرسمية، ومتجاوزاً كل التوقعات حيال السقف الذي يمكن أن يصل اليه في تضامنه مع الشعب الفلسطيني.
طرحُ ميقاتي «الثوري» دفع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى اعتباره انعكاساً لـ»موقف حكومة محور الممانعة التي يترأسها، وتالياً صدى لموقف حزب الله»، مشيراً الى انّه «كان على الحكومة ان تحتذي بما فعله الرئيس فؤاد السنيورة في 12 تموز 2006، حين قال انّ الحكومة اللبنانية لم تكن على علم بما حصل ولا تؤيّده».
في المقابل، عُلم انّ ما ادلى به ميقاتي ترك انطباعات إيجابية جداً لدى «الحزب»، حيث نُقل عن احد مسؤوليه تأكيده انّ «موقف ميقاتي متطور، وغير مسبوق، ويستحق الإشادة».
َوليس واضحاً بعد الأثر الذي يمكن أن يتركه كلام ميقاتي على علاقته بالجهات الغربية المنحازة الى الكيان الاسرائيلي، خصوصاً واشنطن، علماً انّ هناك من توقّع ان يكون الأميركيون قد انزعجوا منه.
واللافت في هذا السياق، انّ ميقاتي المتهم من قِبل البعض بالمبالغة في مراعاة خواطر المجتمع الدولي ومصالحه، خالف هذه المرّة الإرادة الغربية واختلف معها في واحدة من أكثر القضايا أهمية وحساسية، كونها تتصل بالصراع في المنطقة وبأمن الكيان الاسرائيلي الذي يشكّل اولوية لدى رعاته الدوليين.
كذلك، تمايز ميقاتي عن سياسة كثير من الأنظمة العربية التي اختارت الإنكفاء او الحياد، مغرّداً خارج السرب الممتد بين المحيط والخليج، على رغم انّه كان مصنّفاً من «طيوره».
وعلى مستوى المغزى الداخلي، بدا انّ ميقاتي استفاد من دروس اختبارات سابقة مرّ فيها لبنان، إذ اختار تقديم نموذج مغاير عن تجربة الرئيس فؤاد السنيورة خلال حرب تموز 2006، فذهب في اتجاه خيار التناغم او التقاطع بين السلطة والمقاومة في مواجهة التحدّي الاسرائيلي، بدل خيار التنافر والقطيعة الذي اعتمده السنيورة، مع ما رتبه افتراقه الحاد عن الحزب آنذاك من شرخ في الجبهة الداخلية التي كان يُفترض تحصينها في مواجهة العدوان الاسرائيلي وليس إضعافها.
وما شجع ميقاتي على سلوك هذا المنحى المتقدّم، هو شعوره بأنّه منسجم مع مزاج البيئة السنّية التي تدعم غزة وتناصرها حتى أقصى الحدود، علماً انّ من مفاعيل المواجهة الحالية انّها عززت التقارب السنّي – الشيعي في لبنان وعطّلت كثيراً من «مضخات» الفتنة المذهبية.
والى جانب هذه العوامل كلها، يوحي ميقاتي بأنّه قرأ الوقائع جيداً ثم تصرف على أساسها، وهو العارف بأنّ تشابك الساحات لا يوقفه سوى إنهاء العدوان على غزة، وبأنّ الاحتلال الإسرائيلي يواجه مأزقاً حقيقياً في غزة والجنوب، فلماذا لا يلتقط اللحظة التاريخية ويبني عليها، بحيث يحجز منذ الآن مقعداً في صفوف الرابحين؟
الجمهورية