كتب المحامي سميح بركات :
منذ أكثر من استحقاق نيابي، ونحن نشهد على أصوات معارضة للرئيس نبيه بري تطمح أو تحلم بإزاحته عن سدة رئاسة مجلس النواب. وقد تدنّى هذا السقف العالي حتى أصبح “أعلى ما في خيلهم” أن يحققوا اختراقاً تمثيلياً شيعياً ولو بنائب واحد، عسى هذا “النائب الخارق” أن يجد الجرأة للترشح في وجه الرئيس بري لرئاسة المجلس.
ومع قرب موعد الانتخابات، تعود مجدداً تلك الأصوات النشاز لتعلو. وهنا يفرض السؤال نفسه: هل نبيه بري بحاجة إلى موقع الرئاسة أم أن الوطن بحاجة إليه رئيساً للمجلس حفظاً للوطن ؟
إن الإجابة تقتضي تسليط الضوء على مجموعة من الحقائق والأبعاد لدور هذا الرجل الاستثنائي:
أولاً: القامة السياسية والدور المحوري:
الرئيس نبيه بري، في شخصه، هو قامة وطنية وعربية معترفاً بها ومشهوداً لها، وقد صرّح بعض كبار قادة الدول مراراً بأنه مدرسة في علم السياسة، تقديراً لدوره كـصانع تسويات ومفاوض مخضرم يمتلك حنكة فريدة في إدارة الأزمات . إن استمراره كرئيس للمجلس منذ عام 1992 ليس مجرد رقم، بل هو دليل على قدرة استثنائية على البقاء كعنصر توازن أساسي لا يمكن تجاوزه في النظام السياسي اللبناني.
ثانياً: الثقل الجماهيري والسياسي:
الرئيس بري هو رئيس حركة أمل، الحركة ذات التاريخ والوزن السياسي والجماهيري الواسع الذي لم يستطع أي طرف القفز من فوق هذا الثقل التمثيلي أو إنهاء دوره رغم ما مرّ على هذه الحركة من تحديات بدءاً من إختطاف مؤسسها سماحة الإمام السيد موسى الصدر مروراً بما قدمته هذه الحركة من كوادرها وشبابها على مذبح الوطن والجنوب وليس إنتهاءًا بما نُسج لها من مكائد لإنهائها ،وفي كل مرّة كانت تخرج هذه الحركة اليافعة أقوى بحنكة الرئيس نبيه بري. إن هذه الحركة التي أخذ بيدها هذا الرجل إلى بر الأمان هي أحد أسرار قوته بشعبها وجمهورها المنقطع النظير وفاءً وإخلاصاً.
ثالثاً: الدور الإقليمي والعلاقات المتميزة:
يحظى الرئيس بري بعلاقات وثيقة ويُعتبر شخصية أكثر من موثوقة لدى المرجعية في النجف وقم، إضافة إلى علاقاته الإقليمية المتشابكة، وليس خفياً الدور المؤثر للرئيس بري في الملفات الإقليمية، فمن ينسى دوره وصوته المسموع في بلورة مبدأ التوازنات الطائفية في العراق بعد عام 2003، وذلك بحكم أقدميته كزعيم سياسي شيعي ،وليس خفياً أيضاً أن بعض الدول الجارة لو أخذت برأيه لكان حالها مختلفاً عمّا هو اليوم .
رابعاً: التوازنات الطائفية والمنطق التمثيلي:
لقد جرى العرف في لبنان، وفقاً لوثيقة الوفاق الوطني (الطائف)، على أن تذهب الرئاسات الثلاث إلى طوائف محددة، وأن يتمتع كل رئيس بتمثيل واسع داخل طائفته. وعليه، فإن أي اختراق نيابي شيعي جزئي بنائب أو أكثر، لن يغيّر من حقيقة أن الرئيس بري يمثل الوزن السياسي الأكبر والتأييد الواسع لشخصه داخل الطائفة، مما يمنحه الأهلية الدستورية والسياسية غير القابلة للمنافسة الجدية على موقع رئاسة مجلس النواب.
خامساً: حنكة رجل الدولة قبل موقع رئاسة المجلس:
السؤال الأهم يبقى: من هو الشخص الشيعي أو اللبناني القادر على امتلاك شيئاً من تلك الحنكة التي يتمتع بها الرئيس بري، والتي اعتُبرت صمام أمان لوحدة لبنان في أحلك الظروف؟
إن الرئيس بري هو الشخصية التي لجأ إليها الجميع مراراً وتكراراً لإيجاد الحلول والمخارج عندما كان الكيان اللبناني مهدداً. ويمكن الاستدلال بسهولة على وزنه السياسي قبل توليه رئاسة المجلس عام 1992، فدوره المحوري في مؤتمري جنيف (1983) ولوزان (1984) وفي قيادة انتفاضة 6 شباط 1984 كان نابعاً من حنكته ونباهته ، لا كحامل لمنصب رئيس البرلمان.
وعلى افتراض – مع التأكيد على إستحالة هذا الافتراض – أن الرئيس بري لن يكون رئيساً للمجلس النيابي لسبب ما، فإن دوره سيبقى فاعلاً ومحورياً، فهو من منح هذا الموقع قيمته وثقله على مرّ العقود، ولم يمنحه الموقع أي قيمة مضافة. فالرئيس بري سيظل مقصد ومرجع لكل شخصية سياسية تزور لبنان، وسيبقى قطب الرحى في أي مسألة أو معضلة وطنية. ولن يُصنع أي حل وطني مستدام إلا بمروره عبر بوابة نبيه بري سواء كان رئيساً للمجلس أو خارجه فنبيه بري صانع التاريخ الحديث للبنان يبقى هو نفسه المواطن اللبناني، الجنوبي، الشيعي، العروبي والمقاوم ويبقى هو نفسه بنفس الدور والحجم والتاثير برئاسة أو دونها فالرجل ولد رئيساً وعاش رئيساً وسيبقى كذلك طالما
أطال الله بعمره بل قد تكشف الأيام ما هو أبعد من ذلك.
فلكل أصوات النشاز والعنتريات والغوغاء ،نبيه بري هو قدركم فابحثوا عن الصيغة التي تتعايشون بها معه وهو مطلب معلّميكم ومشغّليكم قبل ان يكون مطلب محبيه .
أطال الله بعمر الرئيس نبيه بري بقدر حاجتنا وحاجة الوطن إليه.
































































