قال رئيس الهيئة التنفيذية في حركة “امل” مصطفى فوعاني خلال ندوة فكرية لمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين ل”شهادة الإمام محمد باقر الصدر وشقيقته بنت الهدى”: “تشاء العناية الإلهية ان تجتمع ذكرى شهادة الإمام محمد باقر الصدر وجرح الامام علي وشهادته في شهر رمضان، الشهيد الصدر من الذين بذلوا جهدا عظيما في ربط الامة بالامام علي وربط الأمة بفكر أهل البيت وصولا إلى الامام المهدي، وتمهيدا للدخول نستحضر كلاما للشهيد السعيد إذ يقول: أريد أن نعيش معا لحظات بقلوبنا بعقولنا فقط، بوجداننا. نريد أن نعرض هذه القلوب على القرآن الكريم، نعرض صدورنا، ما هو ذلك الحب الذي يسودها ويستقطبها؟”.
وتابع: “الامام القائد السيد موسى الصدر يرى في فهم عميق لمفهوم الصيام:أيها المؤمنون هل نجد في صومنا آثاره وفي صلاتنا معراجها؟! هل تعيشون في فطركم وأضحاكم معاني الأعياد وفاعليتها؟! هل نتفاعل جميعا مع الشعائر ونتأثر بالأماكن، وهل وجدنا في الأقصى والقيامة معان كانت تتوافر لأمتنا حتى إذا طعنا فيهما نعيش خسارتهما ومحنتهما؟ والشهيد محمد باقر الصدر غني عن التعريف وفي مؤلفاته ما يشهد على نبوغ متفرد، وفي سيرته الشخصية ارتقاء الى مستوى الانسان وأورد منقبة من مناقبه يتجلى من خلالها كيف واءم الشهيد الصدر بين النظرية والتطبيق من خلال سلوكه، حيث كان الشهيد الصدر يمتلك منزلا في غاية التواضع، احتلت الكتب مساحات كبيرة فيه، وزهد في الدنيا وهي مقبلة عليه، لم يلبس عباءة فاخرة بل كان يوزع ما يأتيه من هدايا على الفقراء وعلى طلبة العلم”.
وشدد الفوعاني على أن “الشهيد الصدر لم يهادن ظالماً بل نازله على ساحة الفكر وصولاً الى أرقى انواع المنازلة, شهادة الدم دون ان يخرج عن خطه الانساني بل قدم حياته قرباناً للفكر الذي سعى الى حفظ الانسان وكرامته وبذلك يلتقي الشهيد الصدر مع الامام موسى الصدر برؤيوية واحدة اجتمعنا من اجل الانسان”.
ولفت إلى أن مؤلفات الشهيد محمد باقر الصدر تربو عن الثلاثين مؤلفا وقد قيل فيه أنه مؤسس مدرسة فكرية اسلامية اصيلة تتسم بالشمول من حيث المشكلات التي عنيت بها ميادين البحث وعنيت مؤلفاته بطرح التصور الواعي لمشاكل الانسان المعاصر.
كما طرح اشكالية متعلقة بالفهم الواعي، الفهم الحركي الأصيل للوجود وكيف التقى هذا الفهم مع ما كان الامام موسى الصدر قد طرحه منذ ستينيات القرن الماضي ضمن مفهوم الاسلام القرآني. الإنسان الواعي للحياة والمستقبل..وهو الإسلام القرآني الذي رسم معالم الحياة الحقيقية بعيدا عن العقلية الضيقة والافق المسدود”.
وفي مداخلته، دمج الفوعاني رؤية الشهيد الصدر ورؤية الامام موسى الصدر للاسلام كنظرة تقود الحياة في ظل ما نشهده اليوم من تشويه متعمد لصورة الاسلام على يد إرهاب تكفيري وما يصاحبه من همجية في القتل والسلب والنهب والسبي …. يقابله تله متعمد ونبش لقراءات الاختلاف واستحضارها لتأجيج صراع لا يستفيد منه إلا اسرائيل رأى الشهيد محمد باقر الصدر ان التركيب العقائدي للدولة ينطلق بأن كل مسيرة واعية هدفا وغاية تتجه نحو تحقيقها وكل يستمد وقودها وزخم اندفاعها من الهدف الذي تسمو اليه وتتحرك لتحقيقه , فالهدف هو وقود الحركة وهو في نفس الوقت القوة التي تمتصها عند تحقق الهدف , فتتحول الحركة الى سكون , ويعطي الشهيد الصدر مثالاً توضيحياً : شخص يسعى بجد في سبيل الحصول على درجة علمية وشهادة معينة فالجذوة تظل متقدة في نفسه تدفعه باستمرار نحو تحقيق الهدف الذي يسعى اليه حتى اذا ما تحقق له ذلك انطفأت الجذوة وفقد اي مبرر للحركة طالما لم يبرز هدف جديد ( الاسلام يقود الحياة ).
ولفت إلى أن “الشهيد الصدر كان يرى ان ذلك يصدق ايضاً على المجتمعات فإنها كلما تبنت في تحركها الحضاري هدفاً أكبر استطاعت ان تواصل السير وتعيش جذوة الهدف لفترة طويلة , وكلما كانت الأهداف محدودة كانت الحركة محدودة واستنفذ التطور والابداع، وان المادية التاريخية واجهت مشكلة تتصل بتصوراتها عن مسار التطور البشري وفقاً لقوانين الديالكتيك وهي الهدف اللاواعي الذي تفترضه الماركسية لحركة التاريخ ومسيرة الانسان هو ازالة العوائق الاجتماعية عن نمو القوى المنتجة ووسائل الانتاج فإذا كان هذا هو هدف المسيرة فهذا يعني أنها ستتوقف وان التطور سيتجمد في اللحظة التي يقوم فيها المجتمع بتحقيق اهدافه”.
وأشار الفوعاني إلى ان “الهدف الوحيد بحسب الشهيد الصدر الذي يضمن التحرك الحضاري ان يواصل سيره نحو الهدف الذي كلما ظن انه اقترب منه اكتشف آفاقاً جديدة وامتدادات غير منظورة فتزداد الجذوة انقاداً والحركة نشاطاً والتطور ابداعاً ( المدرسة القرآنية ) فإنسان الدولة الحضارية الواعية هو الذي كلما توغل في الطريق إهتدى الى جديد ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)هذة الآية التي اعتمدها الامام موسى الصدر فاتحة لجهاد حركة امل وهذه هي مسيرة الإنسانية الواعية نحو الخير والكمال, فالتركيبة العقائدية لا ينبغي ان تنفصل عن الواقع وقد رأى الشهيد الصدر ان النظرية ما لم تقترن بالعمل والتطبيق لا قيمة لها ولا يمكن ان تصل وتستمر”.
وتابع: “فالفساد الذي حاربه الامام موسى الصدر والشهيد محمد باقر الصدر وغيرهما تجلى اولاً في الفهم الحقيقي للايمان لا الايمان التجريدي وان استحضار التاريخ من اجل الوحدة والكلمة والموقف, ولذلك تبنى الامام الصدر انشاء مجتمع داخلي وحارب مفاهيم الجهل والمحدودية والولاءات الضيقة وفي لبنان انشأ الامام موسى الصدر حركة امل لتكون النظرية والتطبيق مؤسسة تنظيمية للفرد والمجتمع والتي أخذت على عاتقها تحرير الإنسان وتحرير الأرض ليس على مستوى طائفة او مذهب او دين او وطن إنما انطلاقا من عمق تاريخي يمتد مع وجود الإنسان الاول وباندفاعية واعية نحو تحقيق مفاهيم العدالة والمساواة والعيش الكريم وأصالة الإنسان هي البعد الحقيقي للإيمان بالله، عندما اطلق الامام موسى الصدر افواج المقاومة اللبنانية( امل )اطلقها رسالة حضارية ان شهداء حركة امل اثبتوا ان الوطنية ليست شعارات ولا ارباحا ومكاسب بل الوطن هو ابعاد وجود الانسان وأساس كرامته”.
واكد الفوعاني “حرص الامام الصدر كما الشهيد الصدر على توعية الجماهير ولذلك لم يكتفوا بما أصدروه من مؤلفات فكرية عميقة بل انهم مارسوا الحياة العملية من خلال السعي الحثيث لتثقيف الناس ( زيارات، محاضرات، ندوات مصالحات ذكرى القسم 17 اذار و5ايار 1974 وهي محطات شكلت أفق التحرك الواعي البعيد عن المناطقية والمذهبية”.
ودعا إلى اعتبار القضية الفلسطينية “قضيتنا المركزية ودعم الشعب الفلسطيني في مواجهة الهمجية الصهيونية المستمرة، وفي شهر رمضان يثبت المقاومون الشرفاء في فلسطين انهم يستطيعون سحق عنجهية الاحتلال، ويثبتون ان سلاحهم بالسكين والدهس والانقضاض على العدو لا ينتظر توازنات ولا تطبيعا ولا مفاوضات …والى الدور التاريخي الي يضطلع به دولة الرئيس نبيه بري في تأسيس مجتمع قوي على منهج واضح بعيدا عن عقلية البعض في اعتبار لبنان محاصصات وظائفية وهذا ما يؤدي إلى تعزيز الفساد والاستبداد وفقد ثقة المواطن بدولته، ولذلك تلتقي نظرة حركة امل إلى بناء الدولة مع مفهوم الإسلام القرآني الذي رسم معالم الحياة الاجتماعية والسياسية”.
وختم الفوعاني ب”تأكيد ضرورة الافادة من هذا الفكر الحركي الأصيل ومن معالم الحياة الكريمة التي سعى الامام الصدر الى جعلها نهج سلوك وحياة”.