قبل مدة، كانت أجواء بنشعي متفائلة الى حد كبير. حالياً يسود الصمت حيال الاستحقاق الرئاسي، وتغيب تلك الأجواء المشجعة والمندفعة. المقربون يتحدثون بحذر عن توافر الحظوظ والفرص. يردّدون بغير اقتناع، أنها لا تزال موجودة. يرفض بعضهم الافصاح في انتظار ان يطل “البيك” الخميس المقبل مع الزميل مارسيل غانم، ليدلي بدلوه، ويقدم ترشيحه، مفتتحاً او مكملاً عهدا جديدا من الانفتاح والحوار كان بدأه سابقا، وفرمله لاحقا من دون توضيح الاسباب.
وحده الرئيس نبيه بري يرفع حالياً لواء رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، دفعاً به الى قصر بعبدا ليكون الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية.
لكن الرئيس بري، يدرك في قرارة نفسه، أن الطريق الى القصر ليست معبّدة أمام فرنجية، لأن المعترضين عليه أكثر من المرحبين به، ولأن القرار تمليه التطورات والمتغيرات المحيطة بالبلد، والتي لم تنضج ظروفها بعد. ويدرك بري ايضا، كما فرنجية، ان الشغور، وما يرافقه من اهتراء وبعض الفلتان الامني، المبرمج ربما، يصبّ في غير مصلحة فرنجية.
فرنجية الذي خرج من “تكتل لبنان القوي” لا يجد ملاذاً مسيحياً، فبكركي حذرة من تسمية أي مرشح أو تزكيته، وينتظر سيدها إشارات الى توافقات خارجية قد تجعل المستحيل ممكناً. وهمّه حاليا اجراء الاستحقاق في موعده اذا امكن، حفاظا على هيبة الرئاسة فلا تصبح مكسر عصا الصراعات والمناكفات. واذا كان التباعد يحكم حالياً العلاقة مع “التيار الوطني الحر”، فإن الحسابات الرئاسية نسفت كل محاولات التقارب مع “القوات اللبنانية”، ولا يجرؤ حزب الكتائب، رغم صداقة رئيسه لفرنجية الأب والإبن، على الوقوع في تناقض أفكاره عبر دعم فرنجية الحليف الأقرب الى سوريا الأسد، و”حزب الله”.
ولم تنجح محاولات الأخير في إعادة رأب الصدع بين فرنجية وجبران باسيل، لأن كل تقارب محتمل ينفرط عقده بين الموارنة على أعتاب بعبدا، وبالتالي فإن فرنجية لا يحظى حالياً بأي غطاء مسيحي، ولا يمكن اليوم فرض أي طرف إقليمي أو داخلي، إرادته على المسيحيين، وإيصال مرشح معاد لبيئته لأنه سيحرقه قبل تسلم مهماته.
“حزب الله” الذي خبر تجربة مريرة مع الرئيس ميشال عون، وقبله مع الرئيس إميل لحود، لن يغامر بالفرض هذه المرة، وقد أعلن مسؤولوه أكثر من مرة في مجالس مغلقة، أنه لم يلتزم حتى الساعة، أي مرشح، وينتظر الحزب التطورات الإقليمية ليبني على الشيء مقتضاه.
ويعارض رئيس الحزب التقدمي الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وصول فرنجية، ما لم يقدِم على خطوات كثيرة وكبيرة تجاه سيد المختارة، وقد عبّر أمس النائب أكرم شهيب بقوله إن “فرنجية وطني ومحترم، ولكن طالما أن الثنائي ملتزم به فهو مرشح الفريق الممانع”.
تبقى الساحة السنّية المفتقدة غطاءً تنثره على الآخرين، ولا يحبذ الرئيس سعد الحريري، وإن متغيباً، وصول مرشح “الممانعة” رغم التقارب السابق الذي تحقّق بين الرجلين وأدى في العام 2016 الى تبنّي ترشّح فرنجية. ولن يذهب لقاء دار الفتوى، بالرعاية السعودية غير المباشرة له، باتجاه تزكية فرنجية بالتأكيد.
ولا يحظى فرنجية بأي دعم خارجي، هو الواقع بين “شاقوفي” عملية إرضاء النظام السوري و”حزب الله” المكلفة، وبناء علاقات جيدة مع الغربيين والخليجيين قد تجر عليه “فيتو” قوى الممانعة. وإذا تحرّك في هذا الإتجاه أو خلافه، يحاصره هذا “الفيتو” أو ذاك.
لذا يقبع فرنجية حالياً في قاعة الإنتظار، ينتظر شيئاً ما أو تطوراً غير معلوم، يمكن أن ينعكس عليه إيجاباً، أو سلباً، ما يدفعه الى ملازمة تلك القاعة ست سنوات جديدة.
غسان حجار- النهار