إذا صح انّ مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى ديفيد شينكر، الذي بدأ زيارة للبنان امس، وتستمر حتى السبت المقبل، لن يجتمع بأي سياسي لبناني رسمياً كان ام غير رسمي، فإنّ ذلك سيؤكّد انّ الولايات المتحدة الاميركية فوّضت الى فرنسا خوض غمار الفرصة الاخيرة لحلّ الازمة اللبنانية، قبل الذهاب في حال الفشل، الى خيارات اخرى لن تكون في مصلحة لبنان ولا القوى السياسية، المتهمة بإيصال لبنان الى الانهيار، على حدّ قول مطلعين على الموقف الاميركي.
ليس المهم ما سيفعله شينكر في لبنان، وانما المهم هو ما لن يفعله، يقول المطلعون على الموقف الاميركي، فهو لن يلتقي اي مسؤول رسمي، او حتى اي سياسي لبناني في اعتقادهم، تاركاً للفرنسي ان يفعل ما بوسعه، انطلاقاً من تفويض أُعطي له، وترجمه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في زيارته للبنان في 6 آب الماضي ويوم امس، الذي صادف الذكرى المئوية الاولى لقيام «دولة لبنان الكبير» عام 1920 تحت الانتداب الفرنسي.
وقد دلّ الى هذا التفويض الاميركي لفرنسا، قول وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو أمس: «اننا نعمل مع الفرنسيين ولدينا الأهداف نفسها، والسفير ديفيد هيل كان في بيروت قبل أسابيع، والتقى العديد من الزعماء»، مشيراً الى أنّ «الأمور ليست على طبيعتها في لبنان، ولن تكون كما في السابق». ومشدّداً على»ضرورة أن تكون هناك حكومة تقوم بإصلاحات معتبرة وتُحدث تغييرات كما يطالب الشعب»، ومعتبراً أنّ «نزع سلاح «حزب الله» أكبر التحدّيات».
ولذلك، سيتراجع الاهتمام الاميركي بلبنان من الآن وصاعداً، اولاً للانشغال بالانتخابات الرئاسية المقرّرة في النصف الاول من تشرين الثاني المقبل، وثانياً لترك المبادرة الفرنسية تأخذ مداها في الاشهر الثلاثة، التي بدأت عملياً مع زيارة ماكرون وتكليف الدكتور مصطفى أديب عبد الواحد امس الاول تأليف الحكومة، والتي امهَل خلالها المسؤولين والقوى السياسية اللبنانية حتى مطلع كانون الاول المقبل، حيث سيزور لبنان مجدداً، وذلك بعدما تكون الانتخابات الاميركية وضعت أوزارها وفاز فيها إما مرشح الحزب الجمهوري الرئيس دونالد ترامب، وإما منافسه مرشح الحزب الديموقراطي جو بايدن، وعلى فوز اي منهما ستتحدّد طبيعة التعاطي الاميركي مع لبنان، في حالتي تنفيذ الاصلاحات التي طلبها المجتمع الدولي او عدم تنفيذها.
والملاحظ، انّ ماكرون لم يأتِ في كل لقاءاته وتصريحاته على ذكر الجيش اللبناني من زاوية دعمه ودوره. ولم يتحدث عن اسرائيل وعن الاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان من الاعتداءات الاسرائيلية، في الوقت الذي يُسجّل صمت روسي، يردّه المطلعون على الموقف الاميركي، الى تنسيق جارٍ بين واشنطن وموسكو في هذا الاطار. ما يعني انّ الفرصة التي أُعطيت للفرنسي لحلّ الازمة اللبنانية منسقة معهما، وتشكّل «آخر خرطوشة» يدل اليها انعدام الحماسة الدولية لمساعدة لبنان، نتيجة الاستياء الدولي من المنظومة السياسية المتهمة بغالبية تركيبتها بالفساد وبإيصال البلاد الى الازمة المالية والاقتصادية المتفاقمة.
ويتوقف مطلعون على أجواء «حزب الله» عند موقف ماكرون من الحزب، حيث اعتبره «قوة سياسية مهمة في لبنان»، واصراره على الاجتماع برئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد في خلال زيارتيه للبنان. ويقول هؤلاء، انّ هذا الموقف الفرنسي «يدل الى انّ ما بذلته الولايات المتحدة الاميركية على مدى 14 عاماً من جهود، وما قدّمته من دعم للجيش اللبناني ولقوى سياسية، بغية كبح جماع «الحزب»، لم يكن ذي نفع. وانّ السياسة الاميركية في لبنان طوال هذه السنين كانت سياسة فاشلة». ولذلك، فإنّ واشنطن لن تتعاطى بعد الآن مع السياسيين اللبنانيين، ولا سيما منهم حلفاؤها ليس «لأنّهم فاسدون» في نظرها، وانما لأنّ اي حركة لها في هذا الاتجاه لن تخفف من وطأة نفوذ «حزب الله» وتأثيره في الحياة السياسية اللبنانية. واكثر من ذلك، يقول هؤلاء المطلعون، انّ لقاء ماكرون مع رعد بما يمثل، يُظهر انّ السياسة الاميركية ازاء «الحزب» ولبنان فشلت، وانّ واشنطن تقبلت هذا الفشل، ولكنها رغم ذلك مرتاحة الى الدور الفرنسي المتجدّد في لبنان، وهي في الوقت نفسه باتت غير متوقفة عند اي شيء، وفي امكانها بعد الآن فرض عقوبات على اي كان، خصوصاً اذا لم تُنفذ الاصلاحات. وهذه الورقة استخدمها ماكرون وسيستخدمها، بقوله للمسؤولين والسياسيين الذين التقاهم في القصر الجمهوري وفي قصر الصنوبر، انّهم اذا لم ينفذوا الاصلاحات المطلوبة فسيجدون العقوبات في انتظارهم.
بل ذهب احد هؤلاء المطلعين الى توصيف المشهد بالقول، انّ ماكرون ابلغ الى كل المسؤولين والسياسيين الذين التقاهم ما معناه «انكم اذا لم تنفذوا الاصلاحات التي من شأنها انقاذ لبنان، وفاز ترامب مجدداً بولاية رئاسية جديدة، فإنّه سيكون امامكم والبحر وراءكم، ولذلك من مصلحتكم ان تسيروا في الصفقة، اي الاصلاحات حتى اتمكن من حمايتكم».
والواقع، انّه لن يكون امام الجميع من مرجعيات رسمية وقوى سياسية في قابل الايام والاسابيع الفاصلة عن زيارة ماكرون الثالثة للبنان، من فرصة سوى السير في الاصلاحات المطلوبة. وستكون السرعة في تأليف الحكومة وطبيعة تشكيلتها الوزارية المؤشر الى مدى جدّية الجميع وصدقيتهم في التعهدات التي قال الرئيس الفرنسي انّهم قطعوها له خلال لقاءاته، سواء في القصر الجمهوري أو في قصر الصنوبر.
طارق ترشيشي – الجمهورية