العميد الركن نزار عبدالقادر
تبدأ غداً الخميس في الاول من ايلول المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية يخلف العماد ميشال عون والذي ينتهي عهده في نهاية تشرين اول المقبل. ويستقبل اللبنانيون هذا الاستحقاق في ظل اجواء من الشك والغموض والهواجس من حصول فراغ في سدة الرئاسة، قد يطول أمده على غرار ما حصل بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، وذلك في ظلّ هيمنة حزب الله وحلفائه عى المشهد السياسي الداخلي، مستفيداً من سلاحه ومن فائض النفوذ الايراني على لبنان، وعلى عدد من الدول العربية، وخصوصاً على سوريا والتي ما زالت تمسك بالعديد من الاوراق السياسية داخل التركيبة اللبنانية المعقدة.
ما يبرّر وجود هواجس لدى اللبنانيين، وما يزيد من شكوكهم بإمكانية انتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية نصّ المواد الدستورية الخاصة بانتخاب الرئيس، والتي لا تنص على ضرورة حصول ترشيح اشخاص لموقع الرئاسة يتنافسون على اساس برامج معلنة، وما يزيد في ضبابية الامر تركيبة المجلس النيابي الجديد، الذي انتجته الانتخابات الاخيرة، والتي فشلت في الإتيان بأكثرية نيابية متضامنة ومتماسكة حول ضرورة اخراج لبنان من الازمة السياسية والاقتصادية والمعيشية التي تسبب بها ارتهان لبنان لمحور «المقاومة والممانعة»، بالاضافة الى الفساد المستشري داخل الطبقة السياسية وبين رجال المال والاعمال الداعمين والمتحالفين مع هذه الطبقة.
ان ما يزيد من تعقيدات وغموض المشهد السياسي لفترة الاستحقاق الدستوري الرئاسي الممتدة على شهرين كاملين، لا يقتصر على غياب المرشحين للموقع الرئاسي، وعدم وجود نصوص واضحة وحاسمة للآليات التي يعتمدها المجلس النيابي لتأمين النصاب القانوني لانتخاب الرئيس، ولضبط سلوكيات النواب واجبارهم على القيام بواجباتهم الدستورية والوطنية كهيئة ناخبة، بل يتعدى ذلك الى غياب الناخبين الاقليميين والدوليين الكبار، والذين يمكن ان تشجع حركتهم عدداً من المرشحين على الظهور كمرشحين جديين ومحتملين.
لا تقتصر الحواجز والعقبات في المشهد السياسي المقبل على غياب اللاعبين الكبار في الاستحقاق الرئاسي او غياب اسماء المرشحين او عدم حصول وضوح في اصطفافات الكتل النيابية الاساسية، بل تؤشر التعقيدات التي ظهرت حتى الآن في مسار تأليف حكومة جديدة الى ان هناك نوايا مبيتة لحصول فراغ رئاسي، وذلك بالرغم من عدم بوح قيادة حزب الله بموقف واضح وحازم تجاه امكانية بقاء الرئيس عون في بعبدا بعد نهاية عهده. ولكنه يبقى من المؤكد بأن حزب الله يرغب بتأمين الظروف المناسبة لانتخاب رئيس بديل، على شرط ان لا يكون معادياً لمحور «الممانعة» بل هو قادر على القبول بها والتعايش معها.
يبدو من التحركات السياسية والاصرار على رفض التشكيلة التي يطرحها الرئيس ميقاتي للحكومة العتيدة، فإن الرئيس عون والنائب باسيل وتياره يتحضران لحصول فراغ رئاسي طويل.
حيث تقضي مصلحتهما بوجود تشكيلة حكومية مختلفة، يتمثل فيها باسيل شخصياً، ويملك الثلث المعطل داخلها، وبما يمكنه على الحفاظ على كل المليشيات داخل السلطة، وخصوصاً بالحفاظ على المواقع الحساسة داخل مختلف الوزارات المهمة، هذا بالاضافة الى سعيه الدائم لاعادة تعويم نفسه سياسياً، وعلى المستويين الداخلي والخارجي، كواحد من ابرز المرشحين في الاستحقاق الرئاسي. تفترض الظروف المعيشية التي يواجهها اللبنانيون، وما يرافقها من انهيارات في ادارات الدولة، والتي تتسبب بتعطيل كل مصالح الناس في كل المجالات، ان تدرك القوى السياسية وخصوصاً الاحزاب والكتل البرلمانية المخاطر الداهمة للبلد، وأن تبادر الى تسريع عملية الاصطفاف السياسي اللازم لتسهيل انعقاد المجلس النيابي وتأمين النصاب اللازم لانتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت ممكن. ولا بد ان تدرك هذه الاحزاب والكتل النيابية اهمية انتخاب الرئيس باكراً، وانعكاس ذلك ايجاباً على مسار الاصلاحات المرجو تحقيقها، وتمهيداً لاعادة الاهتمام الدولي لمساعدة الدولة اللبنانية على النهوض واعادة بناء مؤسساتها المنهارة.
يجب ان تدرك القوى السياسية اللبنانية بأن الممر الآمن لحصول انتخاب رئيس جديد يمر عبر قدرة قوى التغيير والقوى المستقلة والسيادية على بلورة مشروع سياسي اصلاحي، والاجتماع حوله وبذل كل الجهود الممكنة لتسهيل تأمين النصاب اللازم لانعقاد جلسة انتخاب في اقرب فرصة ممكنة، بدل الانتظار الى اواخر شهر ايلول، وفق ما يروّج عن وجود نية لدى الرئيس بري لتأخير الدعوة للمجلس ما يقارب شهراً كاملاً. وبما ان الدستور لا ينص على حصول ترشيحات مسبقة مترافقة مع برامج سياسية للمرشحين كان النقطة المركزية التي يمكن ان تشكل محور التوافق بين الكتل تتمثل بالمواصفات الاساسية للرئيس العتيد، والتي وردت تكراراً في مواقف البطريرك الراعي، بالاضافة الى التزامهم بالعمل على تحقيق الحياد.
يجد عدد من السياسيين والاعلاميين سهولة في ربط الظروف المسهلة لانتخاب الرئيس بنجاح المفاوضات الاميركية – الايرانية الخاصة بالبرنامج النووي، وذلك انطلاقاً من اعتقادهم بأن هذا الامر سيحقق توافقاً سهلاً بين واشنطن وطهران على رئيس لبناني، والى حل بعض الازمات بين حزب الله واسرائيل على خلفية ترسيم الحدود البحرية، او على خلفية الغارات الاسرائيلية ضد مواقع الحزب والحرس الثوري في سوريا.
لا بد ان يدرك هؤلاء بأن المفاوضات بين الطرفين الاميركي والايراني ما زالت تشهد بعض التعقيدات، وهي مرشحة للاستمرار لعدة اشهر، مع بروز خطر عرقلتها او توقفها من خلال الضغوط التي تمارسها الحكومة الاسرائيلية او من خلال تغيّر الاكثرية الديمقراطية داخل الكونغرس من خلال الانتخابات النصفية التي ستحصل في تشرين الثاني المقبل.
تقتضي المصلحة اللبنانية العليا ان يدرك حزب الله بأن عملية ترسيم الحدود مع اسرائيل قد تتأخر الى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية، مع احتمال عودة نتانياهو الى السلطة، ما قد يفتح الباب للعودة بالمفاوضات الى نقطة الصفر. وسيفتح ذلك دون شك الباب لحصول توترات بين الحزب واسرائيل والتي قد تؤدي بالوضع لمزيد من السخونة والتوتر، وفتح باب امكانية الانزلاق الى حرب مدمرة، يكون لبنان فيها احوج ما يكون لرئيس جمهورية يؤمن وجود مظلة شرعية كاملة، قادرة على المواجهة وعلى خوض معركة سياسية ودبلوماسية متكافئة مع اسرائيل.
في النهاية تدعو الحكمة والواقعية السياسية ان يبذل حزب الله كل الجهود الممكنة لتأمين منع حصول فراغ في سدة الرئاسة وبما يؤدي الى دفع لبنان الى مأزق سياسي، قد يؤدي الى تدهور الوضع الامني والسقوط في وضع مشابه للمأزق العراقي الراهن بعد ازمة الحكم واعلان الصدر اعتزال العمل السياسي.
حذارِ من دفع لبنان للسقوط في النموذج العراقي
المصدر: اللواء