جلال عساف
أيام اربعة قبل نهاية ولاية العماد ميشال عون في رئاسة الجمهورية، وجعبات الجنرال المتخصص بسلاح المدفعية في مؤسسة الجيش، ممتلئة بذخائر الدفع وبالمواقف الشديدة والصاروخية، عاود اطلاق عدد لا بأس به منها، ليلة الخميس، ثم استأنفها طوال يوم الجمعة، وكان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، بالتوازي، يطلق مواقف من العيار نفسه، من صرح بكركي.
من قصر بعبدا، الرئيس عون استهدف الرئيس المكلف تأليف الحكومة نجيب ميقاتي، ورئيس البرلمان نبيه بري، وهكذا فعل جبران من بكركي.
في يوم طويل، لا يمكن حتى لرجل خمسيني أن يتحمل تعب مجرياته، شرع الرئيس عون من الصباح بلقاءاته، بدءا بإحتفال رمزي مع الحرس الجمهوري بقيادة العميد بسام الحلو في احدى الباحات الخارجية الخضراء لقصر بعبدا حيث كانت كلمة للحلو وكلمة لعون.
ثم عاد الى داخل القصر ليستقبل جميع الاعلاميين والصحافيين المعتمدين في القصر الجمهوري، حيث كانت كلمة لرئيس مكتب الاعلام الرئاسي الاستاذ رفيق شلالا، فكلمة للرئيس عون الذي سرد باختصار وانما بدقة وتركيز انجازات العهد، ووجه سهامه نحو الرئيس ميقاتي، ونعته بأنه، بالطريقة التي يتعاطى فيها مع التأليف الحكومي، لا يريد تأليف حكومة، واتهمه مثلاً، بأنه لا يتعامل مع التيار الوطني الحر وتكتل لبنان القوي، بالمعيار ذاته في التأليف، مع حركة أمل وحزب الله والاشتراكي واحزاب اخرى، خصوصاً عندما يقبل معهم بأسماء الوزراء التي يطرحونها للتوزير من حصصهم، في حين أنه يرفض أن يسمّي التيار، الوزراء الذين من حصة التيار والتكتل.
وبشدة واضحة واكثر من ذي قبل، وانما هادئة، حمل أيضاً على “كلن يعني كلن” غير التيار الوطني الحر، في موضوع الفساد وطريقة الحكم منذ ١٩٩٢، وكرّر كلام الإمام علي: “تمسّكي بالحقّ لم يترك لي صاحبا”.
رداً على سؤال: هل سيقود من الرابية ثورة وجع الناس، أجاب: مَن شبّ على شيء شاب عليه، ونحن لا نغيّر ما تعوّدنا عليه.
وعلى سؤال هل تستشعرون ان بإنجاز الترسيم، تعززون السلام الداخلي والسلام الاقليمي، أجاب فوراً: ان الترسيم وان المقدرات الاقتصادية، واقتناع كل فريق بمصلحته، وقبلها معركة فجر الجرود ضد الارهاب، وأمور أخرى تساهم في تعزيز السلام الداخلي، أما بالنسبة الى سؤالك عن السلام الاقليمي، فنحن لم نعقد معاهدة سلام او اتفاق او ما شابه، لقد شرحنا ما فعلنا، ولبنان وحده وقّع الورقة الأميركية ذات الصلة، وكذلك الورقة التي تخصّ الامم المتحدة وحده، ولم تحصل اي مفاوضات مباشرة، ولا توقيع على ورقة معاً.
رئيس الجمهورية أجمل كل مواقفه السابقة، ضد “المنظومة”، ووجهها بعيارات ثقيلة الى “خصومه”.
بعد لقائه الاعلاميين، عقد اجتماعاً على مدى ساعة مع الوفد القبرصي الترسيمي والفريق اللبناني الوزاري الاداري العسكري المرافق يتقدّمه نائب رئيس البرلمان الياس بوصعب.
ثم التقى (ضمن الوداع) جميع الإداريين وأفراد الحرس الجمهوري والبروتوكول ومكتب الاعلام ، والاعلاميين ووو..، على مدى أكثر من ساعة وقوفاً وملتقطاً الصورة التذكارية مع كل فرد من هؤلاء الثلاثمئة شخص تقريباً او اكثر. وكانت كلمة لمدير عام رئاسة الجمهورية وكذلك كلمة ثالثة للرئيس عون.
ثم تابع رئيس الجمهورية تسليم الأوسمة، وحتى العصر… هذا كله يوم الجمعة، وفي وقت كانت التحضيرات اللوجستية والادارية والاعلامية وسواها، مستمرة، استعداداً ليوم الأحد الكبير- يوم انتقال الرئيس عون من قصر بعبدا الى الرابية.
رئيس الجمهورية سيغادر بالتشريفات المعهودة، وقبيل خروجه من القصر سيطل بكلمة مدوية على مناصريه في منطقة القصر، قبل ان ينتقل للرابية.
نعرض لمجريات يوم امس، لنقول ان من يتولى مراقبة تلك اللقاءات وتلك اللهجة، يلاحظ ارتفاع نبرة الجنرال، لا تراجعها، ويلاحظ تيقّظه وتنبّهه الى تفاصيل كل سؤال وانتقائه كل عبارة، لكن أكثر من ذلك، سيتوقّع، أن الشدّة والتصعيد والمواجهة، ستكون سمة مواقف الرابية، سواء تألفت حكومة من الآن وحتى منتصف ليل الاثنين- الثلاثاء نهاية الولاية والمهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية، أو لم تتألف، بغضّ النظر عن استمرار حزب الله في ضغوطه حتى اللحظة الأخيرة من المهلة. مع الاشارة الى أن ضغوط تصعيد الوزير باسيل لمواقفه المتوازية مع مواقف الرئيس عون، ترمي من جهة الى إمكان الحصول على مكتسبات في حال يتم تأليف حكومة، ومن جهة ثانية، الى نقل جمهور التيار محفزاً ومشحوذاً، من هذه المرحلة الى المرحلة القريبة اللاحقة، وعدم تثبيط العزيمة.
