رمال جوني
الأساتذة يواصلون الإضراب، والتلاميذ في المنازل. واقع بات يثير القلق. وكأنّه لا يكفي تراجع المستوى التعليمي للطلاب، حتى انضم الإضراب المفتوح. الفريقان محقان: الأساتذة والطلاب، ولكن من المسؤول؟
على وقع إرتفاع الدولار، والبنزين، والخبز، كان الأساتذة يعتصمون مجدداً، يطالبون بحقهم في حياة كريمة لا أكثر، إعتصام، قد لا ينتج إلا مزيداً من الأزمات في وضع التعليم الرسمي.
كان يمكن لإضراب الأساتذة أنْ يؤتي ثماره، لو كان هناك نيّة للحل، إلا أن ما يحصل، لا يَضرب العام الدراسي الحالي فحسب، بل يضرب المدرسة الرسمية برّمتها. في كل مرّة يعتصم الأساتذة أمام المنطقة التربوية في النبطية، يطرحون قضية «الحقوق» ويطالبون بتحسين «الأجور». مطالب باتت واضحة للعيان، حتى لوزير التربية الذي يحاول وضع حدّ للإعتصامات، لإنقاذ العام الدراسي، ولكن عبثاً. خلاف الروابط التربوية مع الأساتذة خلّف شرخاً واضحاً، حتى في البحث عن سبل الحل، فكلّ طرف يتمسّك برأيه، يحاول الأساتذة أن يطالبوا بحقوقٍ، تختلف عن تلك التي تطرحها الروابط التربوية.
الخلاف هنا، سياسي بحت، السياسة توغلت في عمق الروابط. يؤكد معظم الأساتذة هذا الأمر، يحاولون الخروج من عباءتها، وتشكيل لوبي ضاغط قادر على إنتزاع المطالب، غير أنّ الحقيقة تبدو مغايرة كلياً، كلٌّ يغني على ليلاه.
للأسبوع الثاني على التوالي، يمكث الطلاب في منازلهم، بات في حكم المؤكد أنّ عامهم الدراسي على شفير الضياع، يرتفع منسوب الغضب عند الأهالي، يخافون على أولادهم. منذ عامين تقريباً، والتعليم الرسمي في أزمة حقيقية. لا تقل الأزمة التربوية خطورة عن الأزمات السياسية، فجيل كامل مهدد بالضياع. أبناء أساتذة التعليم الرسمي يتابعون تحصيل علمهم في المدارس الخاصة لأنّهم لا يثقون بالمستوى التربوي للمدرسة التي يعتاشون منها، وإلا كيف يمكن تبرير تصرفهم، وحدهم الفقراء يدرسون في المدرسة الرسمية إلى جانب النازحين السوريين.
المتعاقدون من الأساتذة غالبيتهم ضد القوى السياسية، هؤلاء دخلوا في نزاعٍ واضح مع المثبتين منهم. اذ تجاوزت ساعة المتعاقد المئة ألف، وهو يحصّل يومياً بين الـ500 والـ700 ألف ليرة، ويتجاوز راتبهم الشهري الـ10 ملايين، وهو أعلى بكثير من راتب الأستاذ المثبت الذي لا يتخطى الـ5 ملايين ليرة.
وكلما طال عمر الإضراب كلّما توسعت ساحة الصراع بين الأساتذة. فخسارة المتعاقد اليومية تثير غضبه، وإن كان يطالب بالدفع الشهري لراتبه كي لا يضيع فرق عملة. لا تخفي مريم هذا الأمر، فهي واحدة من عشرات المتعاقدين الذين ينتظرون فك الإضراب، لأنّه ينعكس عليهم خسارة كبرى، وفقها «العام الدراسي على شفير الهاوية، فالإضرابات لن تفيد». تقبل جوانا بالعودة للتعليم شرط دفع الراتب شهرياً، «أقله لتسديد بدل النقل، هو أمر غير متاح، ولكن فقط لإنقاذ العام الدراسي، وطبعاً لن يكون له صداه». على حد تعبيرها.
على وقع إرتفاع الدولار الجنوني الذي لامس الـ54 ألف ليرة، ووصول تنكة البنزين إلى عتبة المليون ليرة، كان أساتذة التعليم الثانوي والمهني يجددون تحركهم، هددوا بعدم العودة للتعليم، في ظل تدهور الأوضاع بوتيرة متسارعة، يرفعون سقف التصعيد أكثر، ما يضع الطالب مجدداً في مواجهة التعطيل القسري. إضرابات لن تعود إلا بالخسارة الحتيمة للمدرسة الرسمية، وللطلاب الذين خسروا الكثير من مستواهم طيلة السنوات الماضية، فأي واقع تربوي ينتظر لبنان بعد؟
نداء الوطن