يمر لبنان بمرحلة دقيقة من تاريخه السياسي، حيث يتداخل الفراغ الرئاسي المستمر مع أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة وتنفيذ للقرارات الدولية بعد حرب تدميرية شنها العدو لأكثر من شهرين، مما يضع البلاد في دائرة من الجمود السياسي التي تؤثر على مستقبله واستقراره. فمنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، لم تنجح القوى السياسية حتى الآن في التوافق على اسم رئيس جديد، وسط انقسامات حادة تعكس عمق الأزمات التي تعصف بالبلاد.
الخلفية السياسية والتعقيدات الراهنة
يعتمد النظام السياسي في لبنان على التوافق الطائفي، وهو أمر جعل انتخاب رئيس جمهورية عملية معقدة تتطلب إجماعاً واسعاً بين القوى السياسية والطوائف المختلفة. إلا أن هذا الإجماع يبدو بعيد المنال في ظل انقسام البرلمان إلى كتل متعارضة.
ومنذ بدء الشغور الرئاسي، عقد البرلمان اللبناني عدة جلسات لم تفضِ إلى انتخاب رئيس. وتتكرر مشاهد التصويت التي تنتهي إما بعدم اكتمال النصاب أو بغياب توافق على مرشح توافقي.
الأطراف والمرشحون
يبرز في المشهد السياسي عدد من الأسماء التي يجري تداولها كمرشحين محتملين للرئاسة، بينهم الوزير السابق سليمان فرنجية المدعوم من الثنائي الشيعي وحلفائهم ويغيب عن الكتل المعارضة اي إسم جدي حتى الان ممكن أن يحظى بإجماع بينما أوساط الثنائي تشير الى انهم منفتحين على أي مرشح ممكن أن يحظى بتوافق الجميع وتؤكد ان همها هو إنتخاب الرئيس. ولكن مجريات الأحداث والحرب في جنوب لبنان زادت من تعقيد المشهد.
بعض الأطراف تدفع باتجاه مرشح يمثل “التوازن الإقليمي”، فيما ترفض قوى أخرى هذا الطرح وتصر على رئيس ذي خلفية قادر على مواجهة التحديات الاقتصادية وإعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان ويؤكد الحلف الممانع أنه مع رئيس لا يطعن بالمقا.و.مة خاصة في هذا الظرف الدقيق.
التحديات أمام الانتخاب
تتزامن أزمة الشغور الرئاسي مع أزمات اقتصادية طاحنة، حيث يشهد لبنان انهياراً مستمراً في العملة الوطنية وارتفاعاً كبيراً في معدلات الفقر والبطالة. ووسط هذه الأزمات، تبدو الأولويات السياسية متعارضة مع احتياجات الشارع اللبناني الذي يتطلع إلى قيادة قادرة على تقديم حلول فعلية.
هل من أفق للحل؟
على الرغم من الجمود السياسي، تشير بعض المؤشرات إلى إمكانية حدوث تقدم في ملف الرئاسة، خاصة في ظل الضغوط الدولية المتزايدة على الأطراف اللبنانية للتوصل إلى حل. وتلعب فرنسا، إلى جانب دول أخرى، دور الوسيط في محاولة لجمع الأطراف على طاولة الحوار والتوافق.
ومع ذلك، يبقى السؤال: هل سيتمكن لبنان من تجاوز عقبة الفراغ الرئاسي والدخول في مرحلة جديدة من الاستقرار، أم أن الجمود الحالي سيستمر ليزيد من معاناة الشعب اللبناني؟
في النهاية، يبدو أن مفتاح الحل يكمن في قدرة القوى السياسية على تغليب المصلحة الوطنية على الحسابات الضيقة، والسعي نحو بناء مستقبل أكثر استقراراً للبنان وأجياله القادمة.