من بيروت التي وُلِدتَ فيها بين مقاهي الأرصفة والبيوت المهدّمة بالحرب والأغاني، خرج صوتك لا ليبقى في زواريب المدينة، بل ليصل إلى كلّ بيت في لبنان.
كنتَ ابن بيروت، نعم… لكنك لم تنطق بلسانها وحدها، بل كنت الوجدان الجماعي للبنانيين، من الجنوب الجريح إلى البقاع المنسي، ومن طرابلس الشاهدة إلى صيدا الثائرة.
كنتَ الصوت الذي كسر الصمت،
الضحكة التي تسخر من الوجع،
والأمل الذي يأتي على هيئة نكتةٍ لا تموت.
في غيابك، لا تفتقدك بيروت وحدها، بل يفتقدك وطنٌ كامل… وطنٌ كنتَ له أكثر من فنان، كنت ضميرًا، ومسرحًا، وموسيقى لا تنتهي.
في كل بيت لبناني، عاش زياد الرحباني دون استئذان،
في صوته شيء من الجوع، ومن الحنين، ومن الغضب الذي سكن الأحياء الشعبية وأحلام الطلّاب.
أحبّه العمّال لأنّه قال ما لا يقال،
وأحبّه المثقفون لأنه فكّك الواقع بكلمة واحدة،
وأحبّته النساء لأنّه منحهنّ دورًا في حوار لم يكن يشملهنّ من قبل.
لم يكن مجرّد فنان،
كان مرآة ناطقة لهذا البلد المُنهَك،
ينكت ويضحك، لكنه يبكينا من حيث لا ندري،
يغنّي لـ”بلا ولا شي”، لكنه يقول كل شيء.
في المسرح، لم يكن يمثّل… كان يعري الواقع،
وفي الجاز، لم يكن يتفنّن… كان يحرّر الإيقاع من قيود الموروث،
وفي السياسة، لم يكن خطيبًا… بل شاهدًا وشاكيًا، باسم كل من لا منبر له.
لم يُهادِن، لم يهادِن.
لا في زمن الحرب، ولا في زمن السلم المزيّف،
قال “لا” حين كانت الكلمة تُكلف حياة،
وقال “نعم” فقط حين تعني كرامة الناس.