
تتصاعد التهديدات الإسرائيلية بشنّ غارات مكثّفة لعدة أيام متواصلة، لدرجة أن الجميع أصبح يظن أن الأمر واقع لا محالة سواء بعد انتهاء زيارة الوافد الكبير” البابا لاوُن” ومغادرته الأراضي اللبنانية يوم الثلاثاء في الثاني من كانون الأول ٢٠٢٥ او قبل نهاية العام الحالي على أبعد تقدير.
هذا المستوى المتمادي من التهديدات يجب أن يدفع باتجاه مراجعة عميقة للاستراتيجيات المتبعة، ليس فقط على صعيد العمل العسكري، بل على صعيد الخطاب السياسي والإعلامي للمقاومة تحديداً.
أن قيادة المقاومة مطالبة في هذا الظرف الدقيق بتبني خطاب جديد، يهدف إلى قلب معادلة الرعب جزئياً وإعادة رسم أفق المعركة بطريقة تخدم مصالح شعبها، وذلك دون الانجرار إلى حرب لا ترغب بها.
من هنا تصبح ضرورة كسر الجمود بخطاب “الردع الغامض” عبر إصدار قيادة المقاومة بياناً ذا مضمون محدد وحازم، يضع سقفاً لأي محاولة إسرائيلية لتوسيع الغارات وأن يكون هذا الخطاب مبنياً على الركائز الأساسية التالية:
• تحديد سقف الرد: الإعلان بشكل واضح أن أي توسع في الغارات الإسرائيلية سيُقابل بـ “رد محدد ومدروس”، مع نفي النية بخوض حرب واسعة النطاق.
• الغموض الاستراتيجي (استعارة أسلوب الضغط النفسي): الإبقاء على طبيعة الرد غامضة جداً ليفتح بذلك أفق التهديد على كافة الاحتمالات دون التزام مسبق. هذا الغموض يهدف إلى إرباك صانع القرار الإسرائيلي وإجباره على إعادة حساب تكلفة أي تصعيد.
• التأكيد على الدفاع: يجب أن يتضمن الخطاب تأكيداً لا لبس فيه على أن هذا الرد يأتي في سياق الدفاع عن النفس والأرض والكرامة، ما يمنح المقاومة شرعية مطلقة في الفعل ويُزيل عنها أي شبهة “عدوانية”.
والدعوة لهذا التوجه ناتجة عن وضوح الرؤية بأن الأمور تتدحرج نحو سيناريو سلبي يفرض فيه الاسرائيلي شروطه بثقة المنتصر، حيث أن الوضع القائم من إغتيالات مترافقة مع تهديدات إسرائيلية متصاعدة، يُعتبر مثالياً للإسرائيلي لفرض شروط تفاوضية في المرحلة الحالية من دون أي مواجهة ولو على مستوى “خطاب الردع”.
كما أن هذا الخطاب قد أصبح ضرورة قصوى لمواجهة التحديات الداخلية فبدأنا نسمع خطاباً معادياً يعتبر أن المقاومة “تهمة وإدانة” وأن سلاح المقاومة الذي لم يعد قادراً على الردع قد سقطت حجيّة وجوده ويجب التخلص منه.
في الوقت ذاته أيضاً ، فإن المبالغة في محاولات عدم استفزاز الرأي العام الخارجي ، من خلال التخلي عن خطاب الردع ، قد لا تُغيّر شيئاً في المواقف الاستراتيجية للدول الكبرى بل على العكس تشجعها في فرض شروط وأسقف كانت في مرات كثيرة أعلى من السقف الإسرائيلي نفسه.
أمّا إسرائيلياً ،فالعدو لا يبحث عن أي تبرير للقتل والتدمير، فهو يمارس هجماته معتبراً أن وجود المقاومة بحد ذاته هو ذريعة كافية ،وأنّ الحل الوحيد الذي يرضيه هو زوال المقاومة وإتفاق سلام وتطبيع بشروط إذعان مفصّلة على قياس مصالحه.
لذا، فإن قلب المعادلة يتطلب المناورة بالخطاب لرفع منسوب الردع، ما يُعيد للأمور توازناً ولو جزئياً.
في المقابل ،إذا كانت المقاومة تدرك أن المناورة الخطابية لا يمكن أن تُترجم إلى قوة فعلية على الأرض أو بالحد الأدنى إعادة الحسابات لدى العدو قبل أي خطوة ، أو إذا كان هناك تقييم يُشير إلى أن كلفة الرد ستكون مدمّرة جداً بما يفوق تحقيق أي إنجاز، يغدو واجباً اقتناص الفرصة والبحث عن حلول تحقق الحد الأدنى من المكتسبات والضمانات.
الخلاصة هي أن قيادة المقاومة أمام مفترق طرق يتطلب إما خطاباً عالياً يُعيد الأمور إلى نصاب الردع، أو اتفاقاً واقعياً يُجنّب كلفة تصعيد عسكري غير محسوب العواقب، فمن يظن أن الإسرائيلي ذاهب إلى “أنصاف حلول” دون ضغط ولو من خلال الخطاب الإعلامي على الأقل وهو متاح حالياً فهو يعيش وهماً لا يتناسب مع طبيعة المرحلة الراهنة فلا شيئ أفضل للإسرائيلي من الوضع القائم سوى الذهاب الى هجمات موسعة دون أي رد .
