بالأمس نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي لمقطع فيديو يظهر فيه القبطان اللبناني الأسير عماد أمهز وهو يدلي بـ”اعترافات” حول ملفات عسكرية حساسة، انقسمت المنصات بين مصدوم من “هدوء” الأسير وبين مشكك في طبيعة الظروف التي أُنتج فيها هذا الفيديو. لكن، ومن وجهة نظر الخبراء في لغة الجسد وسيكولوجية الأسر، فإن هذا الفيديو لا يقدم “معلومات”، بل يقدم “دليلاً ماديّاً على القهر النفسي”.

  1. فخ “الهدوء المبالغ فيه”: أداء وليس عفوية
    أول ما يلفت الانتباه هو “الطلاقة” التي تحدث بها أمهز. في علم النفس، يُعد الهدوء النسبي في موقف عالي التوتر (الأسر) علامة على حالة “الامتثال القسري” (Compliance). الأسير هنا لا يتحدث بحرية، بل يؤدي دوراً مدروساً بعناية. لغة جسده “القوية” هي في الواقع “درع حماية”؛ حيث يدرك الأسير أن أي ارتباك قد يعيد جلسة التحقيق إلى المربع الأول أو يعرضه للأذى، فتبدو الثقة هنا كـ”قناع” مفروض من الخارج، وليست نابعة من القناعة الداخلية.
  2. التلقين اللفظي وسقوط “أدبيات الهوية”
    من الناحية اللسانية، سقط الفيديو في فخ “التلقين”. استخدام القبطان لمصطلحات مثل “دولة إسرائيل” أو ذكر الشهيد السيد “حسن نصر الله” مجرداً من ألقابه، هو أمر يتنافى كلياً مع القاموس العفوي لأي مواطن لبناني، فكيف بمن ينتمي لبيئة المقاومة؟ هذا التبدل اللفظي يثبت أن النص “مكتوب ومُلقّن”، وأن الأسير يتبع مساراً لغوياً رُسم له لخدمة الدعاية الإسرائيلية.
  3. “الانفصال العاطفي” وحركات اليد الآلية
    يظهر أمهز في حالة تُعرف بـ “الانفصال العاطفي” (Dissociation). هي آلية دفاعية يفصل فيها العقل بين الجسد (الذي يؤدي الكلام) وبين المشاعر الحقيقية (الخوف أو الرفض). حركات يديه النشطة التي رآها البعض علامة ثقة، يراها الخبراء حركات “آلية مبرمجة” وتفريغاً لتوتر داخلي هائل (Displacement activities). غياب الإيماءات الطبيعية المتوافقة مع حرارة الموقف يؤكد أن الكلام “مراقب” لحظة بلحظة خلف الكاميرا.
  4. التوقيت: عام من العزل كفيل بـ”صناعة” التعاون
    نشر الفيديو بعد عام كامل من الاختطاف هو المفتاح لفهم الحالة النفسية. عام من العزل التام والضغط الممنهج كفيل بإيصال أي إنسان إلى مرحلة “الهشاشة النفسية”، حيث يصبح التعاون مع الآسر وسيلة وحيدة لتأمين الاحتياجات الأساسية أو البقاء على قيد الحياة. إن “مثالية” المشهد هي أكبر دليل على زيفه؛ فالرد الطبيعي للإنسان في الأسر هو القلق والارتباك، واختفاء هذه العلامات يعني أننا أمام “نص سينمائي” تم التدرب عليه طويلاً تحت وطأة الظروف القهرية.
    الخلاصة:
    إن فيديو عماد أمهز ليس انتصاراً استخباراتياً، بل هو محاولة بائسة لشن حرب نفسية أو توظيف الفيديو لمآرب أخرى. لغة الجسد التي أراد الاحتلال أن تبدو “كاريزمية” هي في الحقيقة “صرخة صامتة” تعكس حجم الضغط الذي مورس على رجل معزول عن العالم لعام كامل. ما جرى ليس “اعترافاً”، بل هو “تمثيل تحت التهديد” في أبشع صوره.

By jaber79

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *