بعد مرور شهر تقريباً على انفجار مرفأ بيروت، أوقف المحقق العدلي فادي صوّان الضبّاط المسؤولين عن أمن المرفأ. استمع إلى ضباط في استخبارات الجيش والأمن العام وأمن الدولة قبل أن يقرر توقيفهم بشبهة التقصير الذي أدى إلى حصول الانفجار المدوّي في الرابع من آب. يوم أول من أمس، أصدر المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي فادي صوان مذكرات توقيف وجاهية بحق كل من رئيس مكتب استخبارات الجيش في مرفأ بيروت العميد أ. س، والرائد في أمن الدولة ج. ن، والرائد في الأمن العام ش. ف، والرائد في الأمن العام د. ف.
ورغم أنّ حجم المسؤولية التي يتحمّلها الضباط الأربعة تتفاوت، إلا أنّ القرار جاء بتوقيف الجميع. على سبيل المثال، فإنّ العميد س. كان صاحب الصلاحيات الاوسع بين باقي الضباط على اعتبار أنّ أمن المرفأ مناطٌ باستخبارات الجيش التي يُحتَّم عليها درء كل خطر إرهابي أو أمني من شأنه أن يُهدد أمن المرفأ. فكيف إذا كان قنبلة ضخمة تتألف من مئات الأطنان من نيترات الأمونيوم شديدة العصف التفجيري؟ ضابط أمن الدولة ج. ن، الذي كان يجري تحقيقاً بشأن شحنة النيترات، راجَعَ العميد س، إلا أنّ الأخير أجابه بأنّها ليست مسؤوليته أو صلاحيته، مشيراً عليه بمراجعة النيابة العامة العسكرية التي لم تقم بدورها أيضاً. فهل أن هذا الإجراء الذي اتّخذه المحقق العدلي سيفرض استدعاء مفوض الحكومة السابق لدى المحكمة العسكرية، ومدير المخابرات في الجيش السابق والحالي لتحديد حجم مسؤولية كل منهم؟
أما الضابطان في استقصاء الأمن العام ش. ف. ود. ف، فإنّ مسؤوليتهما تكاد تكون معدومة على اعتبار أنّهما أرسلا ١٤ مراسلة إلى قيادتهم في الأمن العام منذ عام ٢٠١٣ إلى عام ٢٠٢٠ يحذّران فيها من خطر شحنة النيترات. وقد أبلغ أحدهما المحقق العدلي بأنّ مسؤوليته تنحصر في إبلاغ قيادته، وأن الصلاحيات التي يمنحها إياه القانون لا تسمح له بالتدخل في أي شأن من شؤون المرفأ، إذ انّ مسؤولية الأمن العام تتعلّق بدخول الأفراد إلى لبنان وخروجهم منه، وليس أمن المرفأ. كذلك فإنّ قانون تنظيم الأمن العام يحدد دور استقصاء الأمن العام بالشق السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني المتعلق بالأجانب. وقد تبيّن أنّ الأمن العام أرسل بريداً أمنياً إلى كل من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ووزارة الأشغال ووزارة الداخلية عام ٢٠١٤ بشأن شحنة النيترات.
أما ضابط أمن الدولة، الرائد ج. ن، فقصّته مختلفة عن باقي الضباط، ولا سيما أنّ دوره كان أساسيا في «اكتشاف» وجود شحنة نيترات الاميونيوم نهاية العام الفائت، وبادر إلى إبلاغ قيادته والقضاء لفتح تحقيق بالقضية، إلا أنّ المحقق العدلي قرر توقيفه. وإثر توقيف الرائد ج. ن (والده شهيد في الجيش)، انطلقت حملة منددة بقرار القاضي، معتبرة أنّه بدل توقيفه كان الأولى مكافأته لكونه اكتشف فضيحة نيترات الأمونيوم وفتح تحقيقاً كتب بموجبه تقريراً مفصّلاً عن الخطر. غير أنّ مصادر مواكبة للتحقيقات تتحدث عن تقصير في التعاطي مع هذه القضية من قبل الضابط المولج بالتحقيق. إذ إنّ رئيس مكتب أمن الدولة في المرفأ نظّم مراسلة إلى مديريته عن وضع العنبر الرقم ١٢ ونيترات الأمونيوم الموجودة في داخله، متحدثاً عن وجود فتحة في جداره بقياس ٥٠ سم بـ ٥٠ سم وبعج في أحد أبوابه الذي انفصل عن قالبه، ما يسمح بدخول شخص عبر الفتحة بين الباب والحائط. هذه المراسلة كانت بتاريخ ٧/١٢/٢٠١٩.
وفي ٢٨ كانون الثاني عام ٢٠٢٠، كُلِّف من قيادة المديرية العامة الأمن الدولة بإجراء تحقيق حول مراسلته. غير أنّ الرائد ج. ن. بدأ التحقيق في ٢٨ أيار ٢٠٢٠ أي بعد مرور أربعة أشهر على تكليفه إجراء التحقيق. ورأى القاضي في هذا التأخير مسؤولية كبيرة لكونه معدّ التقرير ويعلم حجم الخطر المحدق. و«التقصير» لم يقتصر على التأخر في البدء بالتحقيق. فقد اعتبر المحقق العدلي أنّ الضابط في أمن الدولة لم يقم بواجبه كاملاً. وهو كونه مكلفاً التحقيق كان عليه التحقيق بأسباب وملابسات وجود فتحة بهذا الحجم في جدار العنبر. كما تحديد سبب وجود «البعج» في الباب بشكل يسمح بدخول شخص إلى العنبر لمعرفة إذا كان بفعلة فاعل أو نتيجة حادث. وكان يمكن ذلك عبر التحقيق مع المسؤولين عن العنبر للتوصل إلى الفاعلين. كما أنّه في المحضر المنظّم من قبل الرائد ج. ن، أجرى كشفاً على العنبر من الخارج، وأرفقه بصور فوتوغرافية لأكياس نيترات الأمونيوم الموجودة داخل العنبر التُقطت عبر الفتحة، بينما كان عليه إجراء كشف كامل على محتويات العنبر لكون ذلك كان سيساعد على تحديد إذا كانت المواد ناقصة لمعرفة ما إذا تعرضت للسرقة، كما كان ليكشف وجود مواد خطيرة أخرى إلى جانب النيترات. كذلك فإنّ الرائد ج. ن. خابر المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات في ٢٨ أيار الذي طلب إليه الاستماع إلى رئيس الميناء ومسؤول الأمن في المرفأ، ثم أعطى إشارته في اليوم الرابع لتأمين الإصلاحات اللازمة للعنبر وتأمين حراسة مشددة عليه وتعيين أمين مستودع له. وبالتالي، لم يتقيد الرائد بإشارة النائب العام ولم يواكب ما قضت به الإشارة القضائية وهو إجراء أساسي لكونه تبين أنّ هيئة إدارة استثمار المرفأ لم تُنفّذ ما طُلب إليها وتأخرت ٦٥ يوماً. كما لم تتم مراقبة أعمال الصيانة من قبل القائم بالتحقيق للتأكد من إجرائها بالصورة الصحيحة والآمنة. كذلك سيركز التحقيق على مضمون الواقع الذي نقله الضابط إلى القاضي لدى مخابرته.
رضوان مرتضى – الأخبار