نتيجة المبادرات التي قام بها المودعون إثر احتجاز ودائعهم في القطاع المصرفي منذ اندلاع الثورة أواخر العام 2019، ومنها عمليات تسييل الودائع المحتجزة بالدولار، من خلال شراء العقارات والسلع الفاخرة أو تسديد القروض، أو تحويل جزء من الودائع بطريقة استنسابية الى الخارج او سحبها نقداً، أدّى كل ذلك الى تراجع حجم الودائع والقروض في القطاع المصرفي في الاشهر السبعة الاولى من العام الحالي بقيمة 15.6 مليار دولار و9.5 مليارات دولار على التوالي.
من المؤكد انّ ارقام تقديرات الخسائر التي تم الاختلاف حولها بين القطاع المصرفي وحكومة الرئيس حسان دياب لتتعرقل بنتيجتها المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ستتغيّر بشكل لافت بعد التطورات التي حصلت في البلاد، وبعد توجّه نسبة كبيرة من المودعين بشكل تلقائي نحو تسييل ودائعهم المحتجزة عنما أصبحوا على يقين انّ الاقتطاع منها أمر محسوم، كما انّ إمكانية عدم استردادها في المستقبل المنظور باتت مُرجّحة. وقد أدّى ذلك الى تراجع حجم الودائع في القطاع المصرفي بقيمة 30 مليار دولار منذ بداية العام 2019 لغاية تموز 2020 من 174.3 مليار دولار الى 143.3 مليار دولار في تموز 2020، منها 15,6 مليار دولار فُقدت في الاشهر السبعة الاولى من العام الحالي.
في المقابل، تراجع حجم القروض بقيمة 9.5 مليارات دولار لغاية تموز 2020، معظمها قروض ممنوحة بالدولار نتيجة استخدام الودائع المحتجزة لإتمام عمليات شراء وبيع بين المودعين وأصحاب القروض. إلّا انّ الفارق بين التراجع في حجم الودائع والتراجع في حجم القروض يبقى شاسعاً عند حوالى 6 مليارات دولار، بما يشير الى انّ نسبة من الودائع المفقودة تم تحويلها الى الخارج. كما أوضح الخبير في الاسواق المالية دان قزي انّ هذا الفارق يمكن تفسيره ايضاً من خلال إقدام بعض المودعين على إغلاق حساباتهم وبيعها مقابل سيولة نقدية تقلّ عن قيمة الوديعة الاصلية بالاضافة الى عمليات الـ»haircut» التي تقوم بها المصارف على الودائع بالدولار من خلال تسديدها نقداً بالليرة اللبنانية وغيرها من الممارسات التي تقوم بها المصارف لتجميل ميزانياتها.
وقال قزي لـ»الجمهورية» انّ تراجع حجم الودائع وحجم القروض يجب ان يكون أمراً ايجابياً حيث يوحي بأنّ أزمة المصارف تعالج نفسها بنفسها، وكان يمكن لهذا التراجع ان يساهم في تقليص حجم الخسائر او الاقتطاع الذي سيتكبّده المودع لو انّ القطاع المصرفي لم يواصل عمليات دولرة الودائع التي قام بها من بدء الأزمة. شارحاً انّ تراجع حجم الودائع بقيمة 30 مليار دولار منذ العام 2019 كان يجب ان يَنتج عنه تراجع في حجم الودائع بالدولار بالقيمة نفسها، إلّا انّ مواصلة دولرة الودائع على سعر الصرف الرسمي عند 1500 ليرة أدّى الى تراجع حجم الودائع بالدولار من 120.8 مليار دولار الى 114.9 ملياراً، أي بحوالى 7 مليارات دولار فقط، لأنّ معظم التراجع جاء في الودائع بالليرة اللبنانية نتيجة الدولرة، والدليل انّ 62.1 في المئة من التراجع في حجم الودائع جاء نتيجة تقلّص الودائع بالليرة اللبنانية لغاية تموز 2020 بقيمة 9.7 مليارات دولار.
واكد قزي انه لو لم يتم السماح بدولرة الودائع من الليرة الى الدولار، لكانت الودائع بالعملة الاجنبية قد تراجعت اليوم الى حوالى 90 مليار دولار، ممّا كان سيساهم في خفض نسبة الخسائر (haircut) التي سيتحمّلها المودعون.
في التفاصيل، أظهرت آخر الاحصاءات لدى القطاع المصرفي تقلّص حجم الودائع في الاشهر السبعة الاولى من العام الحالي بقيمة 15,6 مليار دولار، أي ما يعادل المعدل السنوي المسجل في العام 2019 بكامله لتراجع حجم الودائع والذي بلغ 15,4 مليار دولار. وقد خسر القطاع المصرفي ما قيمته 30 مليار دولار من الودائع منذ بداية العام 2019 متراجعاً من 174.3 مليار دولار في اواخر كانون الاول 2018 الى 158.9 ملياراً في كانون الاول 2019 وصولاً الى 143.3 مليار دولار في تموز 2020.
وذكر تقرير بنك عوده امس، انّ 71,3 في المئة من التراجع في حجم الودائع خلال الاشهر السبعة الاولى من 2020 جاء نتيجة تراجع حجم ودائع المقيمين بقيمة 11.1 مليار دولار، في حين انّ 4,5 مليارات دولار من ودائع غير المقيمين تمّت خسارتها. وقد انخفضت ودائع المقيمين من 126,4 مليار دولار في كانون الاول 2019 الى 115,3 مليار دولار في تموز 2020، في حين تراجعت ودائع غير المقيمين من 32.5 مليار دولار الى 28 مليار دولار خلال الفترة نفسها.
واظهرت الاحصاءات انّ 62.1 في المئة من التراجع في حجم الودائع جاء نتيجة تقلص الودائع بالليرة اللبنانية لغاية تموز 2020 بقيمة 9.7 مليارات دولار، في مقابل تقلّص الودائع بالدولار بقيمة 5.9 مليارات دولار. وقد تراجع حجم الودائع بالليرة اللبنانية من 38.1 مليار دولار في كانون الاول 2019 الى 28.4 مليار دولار في تموز 2020، في حين تراجع حجم الودائع بالدولار من 120.8 مليار دولار الى 114.9 مليار في الفترة نفسها.
في المقابل، تراجع حجم القروض المصرفية بشكل لافت (9.5 مليارات دولار) خلال الاشهر السبعة الاولى من العام 2020 بما يعادل التراجع في حجم القروض المسجل خلال العام 2019 بأكمله (9.6 مليارات دولار). وقد تراجع حجم القروض المصرفي في القطاع بأكثر من 19 مليار دولار من بداية العام 2019 لينخفض من 59.4 مليار دولار في نهاية كانون الاول 2018 الى 49,8 ملياراً في كانون الاول 2019 وصولاً الى 40.3 مليار دولار في تموز 2020.
وقد نتج 90,3 في المئة من التراجع في حجم القروض لغاية تموز من العام 2020 عن انخفاض حجم قروض المقيمين بقيمة 8.6 مليارات دولار، في حين انّ 0,9 مليار دولار من التراجع يعود لقروض غير المقيمين. وقد تراجع حجم قروض المقيمين من 44.2 مليار دولار في كانون الاول 2019 الى 35.6 مليار دولار في تموز 2020، بينما تراجعت قروض غير المقيمين من 5.6 مليارات دولار الى 4.7 مليارات دولار في الفترة نفسها. وقد نتج 96 في المئة من التراجع في حجم القروض عن انخفاض القروض بالدولار الاميركي لغاية تموز 2020 بقمية 9.1 مليارات دولار، في حين تراجعت القروض بالليرة اللبنانية بقيمة 0.4 مليار دولار. وقد انخفض حجم القروض الممنوحة بالدولار من 34.2 مليار دولار في كانون الاول 2019 الى 25.1 مليار دولار في تموز 2020، في حين انخفضت القروض الممنوحة بالليرة من 15.6 مليار دولار الى 15.2 مليار دولار في الفترة نفسها.
وفي حين ارتفعت نسبة دولرة الودائع 4.2 في المئة من 76 في المئة في كانون الاول 2019 الى 80.2 في المئة في تموز 2020، تراجعت نسبة دولرة القروض 6.4 في المئة من 68.7 في المئة الى 62.3 في المئة في الفترة نفسها.
وقد سجّل ميزان المدفوعات عجزاً بقيمة 5.5 مليارات دولار لغاية تموز 2020 أي ما يعادل العجز المسجل خلال العام 2019 (5.8 مليارات دولار)، مدفوعاً بعجز في ميزان المدفوعات بقيمة 3 مليارات دولار تم تسجيله خلال شهر تموز وحده. وقد ساهم تراجع صافي الأصول الأجنبية لدى مصرف لبنان بقيمة 7.2 مليارات دولار، بارتفاع عجز ميزان المدفوعات في الاشهر السبعة الاولى من 2020، في حين انّ صافي الاصول الاجنبية للمصارف ارتفع بقيمة 1.7 مليار دولار في الفترة نفسها.
رلى سعرتي – الجمهورية