تتجه الأنظار الى الزيارة المرتقبة لبيروت هذا الشهر من قبل الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي. وكان هوكشتاين قد زار لبنان للمرة الأولى منذ تعيينه في هذا المنصب في 20 تشرين الأول الفائت، والتقى المسؤولين اللبنانيين واستمع الى مواقفهم من هذا الموضوع، كما أجرى محادثات مماثلة في «تلّ أبيب» مع المعنيين بهذا الملف. وخرج من هذه الجولة، بحسب المعلومات، أنّه أمهل الطرفين فترة ثلاثة أو أربعة أشهر للتوصّل الى اتفاق بينهما، أي حتى موعد الإنتخابات النيابية المقبلة ربيع العام 2022، وإلّا فإنّه سينسحب من هذه الوساطة.
وإذ جرى الحديث عن اقتراح «تقاسم الحقول النفطية المشتركة» بهدف البدء بالتنقيب واستفادة كلّ من لبنان و»اسرئيل» من إنتاج الغاز والنفط، لا سيما لبنان الذي يعاني من أزمة إقتصادية خانقة تجعله بحاجة الى وضع هذا القطاع على السكّة الصحيحة للإنتاج وبدء الإستفادة من مردوده لتسديد هذه ديونه المتراكمة وتحسين وضعه الإقتصادي، تقول أوساط ديبلوماسية عليمة، بأنّ الوسيط الأميركي سيعود الى لبنان عارضاً الإقتراح الذي تجده إدارته مناسباً للتوصّل الى اتفاقتحت عنوان «إقامة الجسور»… فإضاعة المزيد من الوقت من شأنها أن تُمدّد أو تؤخّر فترة الإنتاج بالنسبة للبنان، ومن عدم الإستفادة بالتالي منثروته النفطية والغازيّة البحرية لسنوات إضافية بعد، في حين نجد لبنان اليوم بأمسّ الحاجة الى إنقاذ إقتصاده من الإنهيار، والى جذب أكبر قدر ممكن من الإستثمارات. علماً بأنّ هذه الأخيرة من غير الممكن أن تحصل في بقعة بحرية متنازع عليها، أو مهدّدة بعدم الإستقرار الأمني كونها تقع بين بلدين عدوين.
وفيما يتعلّق باقتراح تقاسم الحقول المشتركة، أوضحت الاوساط أنّ الوسيط الأميركي نفسه أعلن أنّ خزّانات الغاز المشتركة لم تكن خياراً بالنسبة له في محادثات الترسيم، ولن تكون خطّته اليوم أو اقتراحه للحلّ. ولهذا لا يُمكن الحديث عن اقتراح من هذا النوع، غير أنّه قد ينطلق من أنّ أمامه حدود بحرية لا بدّ من تحديدها. وهذه الحدود تقع بين دولتين لا تربطهما أي علاقات ديبلوماسية، ولن يسعى الى تطبيع العلاقات فيما بينها، بل سيعمل كوسيط على معالجة هذا الأمر، من خلال تضييق الفجوات والتوصّل في النهاية الى حلّ مقبول، أي الى عرض رسم خط حدودي فاصل يجعل كلّ من لبنان و»اسرائيل» قادراً على الاستفادة من الثروة النفطية والغازية في المنطقة التابعة له في أقرب وقت ممكن.
وذكرت الأوساط نفسها بأنّ هوكشتاين يجد بأنّ لبنان قد طرح الخط 29 متأخّراً جدّاً في عملية التفاوض مع العدو، ولم يكن «حقل كاريش» قبل ذلك قريباً من المنطقة المتنازع عليها، بل بعيداً عنها، أي من الخط 23 الذي كان يُفاوض لبنان على أساسه في وقت سابق. ولهذا قام «الإسرائيلي» بتوقيع جميع العقود مع الشركات العالمية، لأنّ «حقل كاريش» يبعد عن مساحة الـ 860 كلم2 التي كانت تُعتبر منطقة النزاع «السابقة»، والتي اقترح «خط هوف» بتقاسمها بنسبة 55% منها للبنان و45 % منها الى العدو. ولم يُوافق لبنان آنذاك على هذا الخط كونه يُعطي الجانب الإسرائيلي ما يُقارب نصف مساحة هذا المثلث البحري الذي يُفترض أن يعود بكامله للمنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان.
وتقول الاوساط بأنّ احتجاج لبنان لدى الأمم المتحدة مطالباً إيّاها بالتحقّق من أنّ العدو الإسرائيلي يعمل في منطقة متنازع عليها،لا سيما بعد بدء العمل في «حقل كاريش»، قد لا يمكنه إيقافه لأنّ خط الحدود البحرية المودع لدى الأمم المتحدة من قبل لبنان هو الخط 23 وليس 29 حتى الآن. ولهذا فالمطلوب من الحكومة أن تقوم بتعديل المرسوم 6433 بالإحداثيات الجديدة وتودعه لدى الأمم المتحدة بأسرع وقت ممكن لحفط حقوق لبنان البحرية. ولكن رغم ذلك، يُمكن ل «الإسرائيلي» أن يتذرّع بأنّه يعمل ضمن هذا الحقل، قبل أن يقوم لبنان بطرح الخط 29 على طاولة التفاوض غير المباشر.
من هنا، فإنّ هوكشتاين ينوي تقديم اقتراح رسم خط جديد بين الطرفين يوصل الى اتفاق ما، عن طريق قيامه بزيارت منفصلة لكلّ من لبنان و»اسرائيل»، ومن ثمّ الدعوة الى العودة الى طاولة المفاوضات غير المباشرة لإقراره، مع تأكيده على عدم نيّته بتطبيع العلاقات بين البلدين. ويرى بأنّ هذه الأشهر مناسبة لعقد هذا الإتفاق الذي لن يحظى بإعجاب كلا الطرفين، بحسب رأيه، سيما وأنّه كلّ منهما يتهمه بالإنحياز الى الطرف الآخر، إلّا أنّه يُمهّد لإبرام صفقة تجعل كلّ منهما يستفيد من الثروة النفطية في المنطقة التابعة له.
وإذ يتمّ اتهام هوكشتاين بالإنحياز الى العدو الإسرائيلي من قبل لبنان، يقول بأنّ هوية الوسيط أقلّ أهمية بكثير من الطرفين في هذه المفاوضات، إذ لا يُمكنه سوى تقديم الإقتراحات،وعلى الحكومة اللبنانية أن تقرّر الموافقة عليه أو عدمه من أجل شعب لبنان في نهاية الأمر،. لكن في النهاية، أي قرار يتم اتخاذه بشأن الحدود ومصالح لبنان لن يتخذه الوسيط أو الأمم المتحدة أو أي خبير آخر، إنّما الحكومة اللبنانية. لهذا على الحكومة أن تعود الى عقد جلساتها الوزارية في أسرع وقت ممكن لكي يتمكّن الوسيط الأميركي من متابعة مهمّته المتعلّقة بترسيم الحدود البحرية. فمن دون الإجتماع، لن يستمرّ التفاوض غير المباشر، لأنّه يحتاج في نهايته الى موافقة مجلس الوزراء على الإتفاق الذي سيصدر عنه.
وعمّا إذا كان الفشل في موافقة لبنان و»اسرائيل» على الإقتراح الأميركي، سيؤدّي الى تفجير الوضع الأمني على الحدود، أو الى الذهاب الى محكمة العدل الدولية، على غرار ما حصل بين الصومال وكينيا، أكّدت الأوساط نفسها أنّ عدم القبول باقتراح هوكشتاين من قبل لبنان، لن يجعل العدو الإسرائيلي يستكمل عمله في المنطقة المتنازع عليها، أي في الآبار الكامنة في «حقل كاريش»، القريب من البلوك 9، سيما وأنّ الشركات النفطية، أكانت «إنرجين» اليونانية أو «هاليبرتون» الأميركية، تتراجع عند وجود أي هاجس أمني ، سيما إذا هدّد لبنان بمنعها بالقوّة من التنقيب في منطقة متنازع عليها، يجد أنّها تدخل ضمن حدوده البحرية المرسّمة بالخط 29.
وفيما يتعلّق باللجوء الى محكمة العدل الدولية، رأت الاوساط أنّ الأمر لا ينطبق على الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي، ثمّة بعض العناصر المتشابهة وليس كلّها،غير أنّ اللجوء الى المحكمة يحتاج بين 10 و15 عاماً للوصول الى حلّ نهائي والى دفع الأموال، وهذا لا يصبّ في مصلحة لبنان الذي يحتاج الى حلّ فوري للإستفادة من الموارد الموجودة في المنطقة البحرية وفي حقول النفط واستغلالها لتحسين الوضع الإقتصادي. في حين أنّ التفاوض غير المباشر ممكن أن يؤدّي الى حلّ في غضون أشهر. علماً بأنّ الخط 29 هو خطّ قانوني قد يوصله الى قرار مُبرم، كما يُمكنه التمسّك به خلال المفاوضات غير المباشرة للحصول على أكثر ما يُمكنه من الثروة البحرية التي تدخل ضمنه.