الكسندر نازاروف | كاتب وباحث روسي
يقف الاقتصاد الأمريكي على حافة الهاوية، بينما ارتفع معدل التضخم في يونيو إلى زهاء 9.1%. الموقف الرسمي لواشنطن هو أن بوتين هو المسؤول عن كل شيء، وتحديدا عن ارتفاع أسعار البنزين.
بالطبع، لا علاقة لذلك بالواقع، وكتبت بالتفصيل عن ذلك في مقالتي السابقة.
مع ذلك، وعلى أي حال، فمن المرجح أن تتركز معركة البيت الأبيض ضد التضخم في محاولة خفض سعر النفط، حيث تعلق وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، آمالها على الحد من سعر النفط الروسي، في الوقت الذي تتمحور فيه زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى السعودية حول زيادة إنتاج النفط.
وسيكون لنتائج هذه الزيارة تأثير مباشر على الآفاق الشخصية لمستقبل الأمير محمد بن سلمان.
لقد أجريت استطلاعا للرأي في قناتي على تطبيق “تليغرام” حول موقف الطرفين خلال زيارة بايدن للسعودية، وكان الاختيار بين أربع نقاط: الولايات المتحدة الأمريكية تضغط أم تتوسل والسعودية ترفض أم تستسلم، وأرجو ألا يكون بيننا من يشك في أن رفض زيادة أسعار النفط هو تنازل يتعارض مع مصلحة المملكة العربية السعودية.
كان اختياري الشخصي هو أن “الولايات المتحدة الأمريكية ستضغط والمملكة العربية السعودية سترفض”.
وعلى الرغم من النطاق المحدود للغاية لاستطلاع الرأي، إلا أنه يمكن للمرء على الأقل أن يقول إن هناك شكوكا بين جزء كبير من الجمهور العربي بشأن قدرة المملكة في الحفاظ على موقف مستقل، حيث صوت 54% على أن الرياض سوف تستسلم لرغبات بايدن (46% نتيجة للضغط، و8% نتيجة للتوسل).
وهنا تكمن مشكلة محمد بن سلمان، الذي لم يكن طريقه إلى السلطة سهلا، ولا يزال بحاجة لتبرير حقه في القيادة. فالعالم، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، يدخل في حقبة اهتزازات واسعة، ووحدهم الزعماء الحقيقيون القادرون على البقاء في السلطة سيحافظون على مناصبهم.
ففي وقت سابق، طرح ولي العهد خطة طموحة للتنمية الاقتصادية في البلاد، إلا أن وباء “كوفيد-19″، وانخفاض أسعار النفط والإنفاق على الحرب في اليمن تسببوا في إحداث فجوة كبيرة في موازنة البلاد. في عام 2020، بلغ عجز الموازنة 11.2%، أما في العام الحالي فتخطط حكومة المملكة لتحقيق فائض في الموازنة، إلا أن هذا سيتحقق من خلال خفض كبير في الإنفاق العام، وبالتالي يؤثر على السكان. إضافة إلى ذلك، وعلى خلفية أزمة فائض إنتاج عالمية، من الصعب أن تكون الاستثمارات الجديدة مربحة، على الأقل في الوقت الحالي، بمعنى أن أي خطط لتحقيق اختراق اقتصادي مشكوك فيها.
كذلك فمن الصعب أن نصف الحرب في اليمن بأنها ناجحة.
على الساحة الدولية، يبدو الوضع متناقضا. حيث عقّدت قضية خاشقجي العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بشكل كبير، وتحديدا العلاقات مع ولي العهد. إلا أن اتفاقية “أوبك+” كانت بحق نجاحا كبيرا لمحمد بن سلمان، عوض بها جميع الإخفاقات الأخرى، وضمن الاستقرار المالي في البلاد.
العلاقات مع روسيا رائعة، ومع الصين تتطور بسرعة، بل وتمكنوا كذلك من الوصول إلى اتفاق مع ترامب، على الرغم من أنه كان ولا بد من دفع ثمن باهظ مقابل ذلك.
ومع ذلك، تجمد موقف المملكة العربية السعودية في حالة من عدم اليقين، دون أن تتخذ خطوات حاسمة في أي اتجاه، إلا أنها، وفي الوقت نفسه، لم تبدأ بعد لعبتها المستقلة، التي ينجح فيها، على سبيل المثال، الرئيس أردوغان، على الرغم من امتلاكه أوراق لعب أضعف بكثير.
لا تزال السياسة الخارجية هي المجال الرئيسي، وربما الوحيد، حيث تتمتع الرياض بفرص كبيرة، وحرية محتملة في المناورة، إلا أن ذلك بحاجة لإرادة سياسية. من ناحية أخرى، فإن ذلك يحمل معه إمكانية الصعود والسقوط في آن واحد، وإظهار الإرادة السياسية يعني المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفي هذا السياق بإمكان المرء أن يدخل التاريخ من أوسع الأبواب كقائد وطني، أو أن تنكسر رقبته.
وهنا يطرح السؤال نفسه: ما هي وسائل الضغط التي يمتلكها بايدن؟ فالقضية حيوية للولايات المتحدة، وتجبر واشنطن على استخدام كل الوسائل المتاحة.
لقد تحدث مستشار الأمن القومي السابق لترامب، جون بولتون، مؤخرا، عن تورطه في الانقلابات التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في الخارج.
وأعتقد أن الذراع الرئيسي الفعال، إن لم يكن الوحيد، مع محمد بن سلمان من جانب الولايات المتحدة في ظل الظروف الراهنة، سيكون التهديد بانقلاب. وحده التهديد بغزو عسكري مباشر ربما يكون التهديد الأقوى، إلا أنه غير مرجح الآن. عدا ذلك، لن تكون جميع الإجراءات الأخرى الممكنة لتأثير الولايات المتحدة على الرياض فعالة، بما في ذلك تجميد الأرصدة السعودية ومحاكمات قضية 11 سبتمبر.
علاوة على ذلك، أعتقد أن الانقلاب الموالي للولايات المتحدة الأمريكية ممكن حتى في حالة عدم اتخاذ قرار كما في حالة المواجهة.
يبدو لي أن الرياض ستختار، على الأرجح، خطوة نحو المواجهة، أو على الأقل لن توافق على خفض أسعار النفط بشكل كبير، لكنها ستحاول من تخفيف آثار الدواء المر. كما أعتقد أن التهديدات قد تبدو للرياض بعيدة وغير واقعية للغاية حتى الآن، وهو لا يجعلها تبدو مخيفة، ونقص المال يدفع نحو تقويض مضمون لاستقرار البلاد، والقدرة على اتباع السياسات الفاعلة التي تعود عليها محمد بن سلمان.
وبالتالي، أعتقد أن المملكة العربية السعودية ستبتعد رويدا رويدا عن الولايات المتحدة الأمريكية، على أقل تقدير في ظل الإدارة الحالية، ومن غير المرجح أن يحالف النجاح زيارة بايدن. لكن، وبالطبع، لن تقتصر جهود إدارة البيت الأبيض على زيارة واحدة، فالأشياء الأكثر إثارة للاهتمام ستبدأ بعد انتهاء الزيارة.
المصدر: المراقب